يبدو أن إدارة الرئيس بوش لم تتعظ من تجاربها السابقة إذ يظهر ذلك واضحاً في التقرير الأخير حول استراتيجية الأمن القومي الذي أصدرته الإدارة الأميركية. وفيه يؤكد البيت الأبيض مجدداً عقيدته العسكرية القائمة على شن الحروب الوقائية للحؤول دون حيازة بعض الدول لأسلحة الدمار الشامل. ولم يشر التقرير لا من قريب ولا من بعيد إلى الدروس المحتملة التي يفترض بالإدارة الأميركية أن تكون قد تعلمتها من ورطتها في العراق. كما لم يتضمن التقرير أي اعتراف بالصعوبات التي تتلو الحرب، لا سيما فيما يتصل بعملية إعادة الإعمار التي بات واضحاً أنها منيت بفشل ذريع في العراق. وبقراءتنا للتقرير وبإشارته لإيران تحديدا يتملكنا الشعور بأننا نتبع نفس خطوات العراق. وللتدليل على ذلك ما علينا سوى الانتباه إلى ما ورد في التقرير من تأكيد على عقيدة الحرب الوقائية التي تسميها الإدارة الأميركية بالحرب الاستباقية رغم وجود اختلاف بين الاثنين، ثم ربط ذلك بما صرح به نائب الرئيس ديك تشيني مؤخرا عندما قال "لن نسمح لإيران بامتلاك السلاح النووي". بعد هذه التصريحات ينتابك الشعور بأن الولايات المتحدة تتأهب للذهاب إلى الحرب مجدداً، لكن هذه المرة ضد إيران. فقد تضافرت في السابق استراتيجية الدفاع العدوانية نفسها مع تهديدات ديك تشيني تمهيداً لشن الحرب على العراق، وها هو السيناريو ذاته يكرر نفسه من جديد منذراً بحرب أخرى في المنطقة.
لكن بالرجوع إلى حالة العراق فإني أذكر كيف وثقت حينها بإدارة بوش، إذ لم أعتقد للحظة بأن الحرب ستشن فعلا، بل ظننت أن تصريحات تشيني المتوعدة ليست سوى تهديدات الغرض منها ردع صدام حسين وإجباره على السماح بعودة المفتشين الأمميين مجدداً إلى العراق. غير أني ما خلته مجرد مناورة من إدارة بوش تحولت إلى خطة حقيقية لاحتلال العريق تبين أنها كانت مبيتة في دهاليز البيت الأبيض منذ فترة ليست بالقصيرة. هذه المرة سآخذ كلام الرئيس بوش ونائبه ديك تشيني على محمل الجد وسأعتبر أنهم مستعدون لاستخدام القوة لمنع إيران من حيازة الأسلحة النووية بالاعتماد على الحرب الوقائية. لكن من المهم توضيح الفرق في هذا المقام بين شن هجوم وقائي والدخول في حرب استباقية، رغم أن الإدارة الأميركية تسعى إلى الخلط بين المفهومين. الحرب الاستباقية تشن حسب القانون الدولي إذا كان هناك شخص يضع أصبعه على الزناد ويوشك أن يطلق النار، في هذه الحالة يحق للمرء أن يستبق الضربة بأن يفتح النار أولا ويطرح غريمه أرضاً، وهو أمر مفهوم ومبرر. أما الحرب الوقائية فهي تشن في غياب تهديد وشيك، أو خطر داهم حيث الغرض منها القضاء على الأخطار في مهدها ومنع تطورها، وهذا ما قامت به إدارة الرئيس بوش في العراق وتهدد بتكراره في إيران.
ولا شك أن العالم سيكون مكاناً خطراً للغاية إذا ما استطاعت إيران اكتساب أسلحة الدمار الشامل. غير أن حالة إيران شديدة التعقيد والتشابك وتختلف عن الوضع الذي كان سائداً في العراق. ولا ننسى أن الحرب على العراق التي شنتها الولايات المتحدة جعلت من الخليج العربي منطقة أقل استقراراً، ومع ذلك، فإن إدارة الرئيس بوش ما فتئت تؤكد على استراتيجيتها العسكرية التي تزيد من تأجيج المخاوف الإيرانية، بل تسوغ سعيها لامتلاك السلاح النووي. وكنت أود لو أن الرئيس بوش تفادى الحديث عن تلك الاستراتيجية ولم يؤكد اعتمادها مرة أخرى، خصوصاً وأن عقيدة الحرب الوقائية لا تنجح في الغالب إلا إذا توافرت معلومات استخباراتية دقيقة وصادقة. ورغم فشل الإدارة الأميركية في الحصول على تلك المعلومات خلال الحرب على العراق، حيث بنت تقديراتها على أسس خاطئة، مازال البيت الأبيض مصراً على "أنه ستكون دائماً هناك نسبة من الشك في المعلومات الاستخباراتية" مهددا بإعادة السيناريو العراقي، لكن هذه المرة فوق الأراضي الإيرانية.
ــــــــــ
جيمس كلورفيلد
ــــــــــ
كاتب ومحلل سياسي أميركي
ــــــــــ
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"