سُئل الفيلسوف الصيني كونفشيوس عمّا يودّ أن يفعله إذا حكم البلاد، فأطرق لحظة ثم قال: أصحّحُ أسماء الأشياء. لكن ما علاقة تصحيح الأسماء بالحكم الصالح؟! أجاب كونفشيوس: عندما تكون أسماء الأشياء مغلوطة يصبح الكلام غير صحيح، وعندما يصبح الكلام غير صحيح لا يجري العمل بشكل صحيح، وعندما لا يجري العمل بشكل صحيح يُصاب بالضرر كيان المجتمع، وعندما يُصاب بالضرر كيان المجتمع لا تعود العقوبات تناسب الجرائم، وعندما لا تناسب العقوبات الجرائم لا يعرف الناس ما يفعلون. وهكذا كما قال كونفشيوس، "تسمية الأشياء بشكل صحيح ليست مسألة هيّنة"، بل مسألة مستحيلة على الذين يعتقدون بأن احتلال العراق تحرير. ثلاث سنوات من القتل والدمار والنهب والفساد لم تغير في قناعات العراقيين، لكن يساريين مغتربين كتبوا في الأسبوع الماضي مقالات تدعو إلى عقد "مؤتمر عام حول الحرية الأكاديمية في العراق"، وحملوا مسؤولية قتل علماء العراق لمن سماهم وزير شيوعي سابق، ساهم في كتابة المقالات، الجماعات الدينية والسياسية المحلية، من دون أي ذكر للاحتلال، حتى ولو بكلمة واحدة. هذه التغطية على المحتلين والمتعاونين معهم تمثل تواطؤا صريحا في جرائم ذبح علماء العراق. تكشف عن ذلك نتائج التحقيق، الذي ساهم فيه ممثلو المجتمع الأكاديمي العراقي والعالمي، ويظهر منها أن حملة الاغتيالات استهدفت قادة المجتمع العلمي والأكاديمي للبلاد، ولم تستثن أي انتماءات مذهبية أو سياسية. وأذكر هنا أسماء واختصاصات عدد منهم لتوضيح حجم المذبحة، التي كان من أول ضحاياها محمد الراوي (الرئيس السابق لجامعة بغداد ورئيس اتحاد الأطباء العراقيين)، وأسعد سالم شريدة (عميد كلية الهندسة بجامعة البصرة)، وفلاح علي حسين (عميد كلية العلوم بالجامعة المستنصرية)، وعبدالجبار مصطفى (عميد كلية القانون والسياسة بجامعة الموصل)، وصباح الربيعي (عميد كلية التربية بالجامعة المستنصرية)، وسالم عبد الحميد (عميد كلية الطب بالجامعة المستنصرية)، وعلاء داوود (مساعد رئيس جامعة البصرة للشؤون العلمية)، وحيدر البعاج (مدير المستشفى التعليمي بالبصرة)، ومصطفى محمد الهيتي (عميد كلية الصيدلة بجامعة بغداد)، ومروان رشيد (مساعد عميد كلية الهندسة بجامعة بغداد)، وحسان عبد علي داوود الربيعي (مساعد عميد كلية الطب بجامعة بغداد)، وكاظم مشحوط عوض (عميد كلية الزراعة بجامعة البصرة)، وعقل عبدالجبار البهادلي (مساعد عميد كلية الطب بجامعة النهرين)، وجاسم محمد الشمري (عميد كلية الآداب بجامعة بغداد)، وموفق يحيى حمدون (معاون عميد كلية الزراعة بجامعة الموصل)، وفائز غني عزيز (مدير عام شركة الزيوت النباتية في بغداد)، وإبراهيم طلال حسين (مساعد عميد كلية التربية بالجامعة المستنصرية)، ومصطفى الهيتي (معاون مدير مستشفى النور ببغداد)، وكاظم علوش (مدير مستشفى الكرامة ببغداد)...
واستهدفت المذبحة بشكل خاص الأطباء، حيث اغتيل أكثر من 150 طبيبا، بينهم عماد سرسم (عالم الطب الجراحي الشهير)، ونوئيل بطرس ماثيو (أستاذ في المعهد الطبي بالموصل)، وحازم عبدالهادي (أستاذ كلية الطب بجامعة بغداد)، وصادق العبيدي (طبيب الأعصاب)، و عامر الملاح (طبيب العيون)، ورعد أوخسن البينو (أستاذ الجراحة في كلية الطب بجامعة الأنبار)، وسامي أيمن (استشاري الأمراض الخبيثة)، ومصطفى الهيتي (استشاري طب الأطفال)، ومحمد الجزائري (استشاري طب العظام)، وعامر الخزرجي (إستشاري الباطنية)، ومحمد فلاح هويدي الجزائري (أستاذ كلية الطب بجامعة النهرين)، وسنان مؤيد (الطبيب في مستشفى مدينة الحمدانية).
ويتضح من ذلك أن الاغتيالات تركزت على المختصين بعلوم مهمة لصناعة واقتصاد وأمن البلاد، كالهندسة والفيزياء والكيمياء والجيولوجيا والبيولوجيا. محمد عبدالمنعم الأزميرلي، وهو عالم كيمياء مشهور توفي تحت التعذيب خلال اعتقاله من قبل الأميركيين، ووسام الهاشمي رئيس جمعية الجيولوجيين العراقية، قُتل غداة سفره إلى مؤتمر دولي حول جيولوجيا النفط في باريس، واغتيل شاكر الخفاجي مدير عام "دائرة التقييس والسيطرة النوعية"، ومروان مظهر الهيتي أستاذ الهندسة الكيماوية في كلية الهندسة بجامعة بغداد، ومحيي حسين أستاذ هندسة دينامية الهواء في الجامعة التكنولوجية، ومهند عباس خضير أستاذ هندسة الميكانيك في الجامعة التكنولوجية، وخالد شريدة أستاذ كلية الهندسة بجامعة البصرة، وعبدالله الفضل، أستاذ الكيمياء في كلية العلوم بجامعة البصرة، ومحمد فلاح الدليمي، أستاذ الفيزياء بالجامعة المستنصرية، وباسل الكرخي، أستاذ الكيمياء بجامعة بغداد.
ولم تستثن المذبحة نساء العلم، حيث اغتيلت هيفاء علوان الحلي أستاذة الفيزياء في كلية العلوم للبنات بجامعة بغداد، ونافعة حمود خلف أستاذة اللغة العربية في كلية الآداب بجامعة بغداد، وخولة محمد تقي لوين مدرسة في كلية الطب بجامعة الكوفة، وإيمان يونس رئيسة قسم الترجمة بجامعة الموصل، وليلى عبدالله السعد عميد كلية القانون بجامعة الموصل، وقد اغتيلت هذه الأخير