منذ اندلاع العمليات العسكرية في إقليم دارفور بالسودان أوائل عام ،2004 لقي نحو 180 ألف سوداني مصرعهم، كما نزح حوالي مليونين آخرين من ديارهم، بتأثير من السياسات التي تتبعها الحكومة السودانية بهدف إبعاد جماعات القبائل الأفريقية ذات الأصول غير العربية من دارفور·
واليوم نجد أن أعمال القتل لازالت تتواصل هناك، كما نجد أن الوضع الأمني في الإقليم تدهور تدهورا خطيرا، إلى درجة أن منظمات الإغاثة العالمية قد خفضت من مستوى عملياتها في بعض المناطق· مع ذلك يمكن القول إن هناك من الأسباب ما يدعو للشعور بالأمل· ففي الأسبوع الماضي، وافقت الأمم المتحدة، بإيعاز من واشنطن، على إرسال قوة حفظ سلام إلى دارفور، لاستلام زمام مهمة جريئة لكنها غير فعالة، كان يضطلع بها الاتحاد الأفريقي· وهذا خبر طيب··· رغم أن مسؤولي الأمم المتحدة يعترفون بأن نشر قوات هناك، يحتاج إلى فترة قد تصل أزيد من عام -هذا إذا ما تطوعت الدول الأعضاء بإرسال قوات إلى الإقليم- وهو ما لا ينتظر أن يتم في وقت قريب·
وأرى شخصيا أننا نستطيع، بل ويجب أن نفعل ما هو أفضل من ذلك· فمن الأمور الممكنة في هذا المجال أن تعمل قوات ''الناتو'' كجسر ما بين مهمة الاتحاد الأفريقي الحالية -يبلغ عدد القوات التي تقوم بتنفيذها 7000 جندي- وأي مهمة مستقبلية للأمم المتحدة·
و''الناتو'' يقوم بالفعل بمساعدة الاتحاد الأفريقي من خلال توفير الدعم في عملية نقل القوات جوا وتدريبها· ويجب علينا أن نقوم بزيادة حجم تواجد ''الناتو''، من خلال إضافة عدة آلاف من قواته للعمل جنبا إلى جنب مع قوات الاتحاد الأفريقي· فإضافة إلى خبرة ''الناتو''، ومهاراته الفنية، فسيؤدي دخوله لتعزيز مهمة الاتحاد الأفريقي، إلى تحسن سريع في الوضع الأمني، وإنقاذ حياة البشر، والسماح للآلاف من اللاجئين بالعودة إلى منازلهم· ووجود قوات ''الناتو'' سيوجه رسالة واضحة لا لبس فيها إلى الحكومة السودانية··· فحواها أن المجتمع الدولي ملتزم بوضع نهاية للعنف في دارفور· ويمكن لقوات ''الناتو'' في هذا السياق أن تقوم وبشكل فعال بفرض منطقة لحظر الطيران فوق دارفور، لإنهاء القصف الجوي الذي يعرض الرجال والنساء والأطفال الأبرياء، للموت بواسطة طائرات الخرطوم·
ولكي يقوم ''الناتو'' بالعمل، يتوجب على أحد أعضاء الحلف أن يخطو إلى الأمام ويمسك بزمام القيادة· ويجب على الولايات المتحدة في هذا الشأن أن توضح بشكل جلي أنها مستعدة لتولي زمام القيادة السياسية في الناتو وأنها راغبة في المساهمة بإرسال قوات للمشاركة في مهمة ''الناتو'' إذا ما اقتضت الحاجة ذلك·
في تسعينيات القرن الماضي، أخفقنا في مواجهة عمليات الإبادة الجماعية في رواندا، ولكننا تداركنا خطأنا وقمنا بالتدخل في البوسنة ومن ثم في كوسوفو، من أجل إيقاف التطهير العرقي هناك· صحيح أن أيا من المهمتين لم تكن تحظى بقبول شعبي، ولكن الرئيس بيل كلينتون قام بإجراء حاسم لأن عواقب عدم العمل والسلبية كان يمكن أن تكون باهظة التكلفة حيث لم يكن ممكنا بالنسبة لنا أن نقف متفرجين، ونسمح للرئيس اليوغسلافي سلوبودان ميلوسوفيتش وعصابته بدفن مزيد من الجثث في المقابر الجماعية·
واليوم يجب ألا نقف ونراقب الوضع في دارفور عن بعد، وهو يخرج تدريجيا عن نطاق السيطرة·
إن الحكومة السودانية، ومن خلال قيامها بشكل منهجي بإساءة معاملة شعبها، قد تخلت عن سيادتها وجعلت محنة الضحايا من أبناء الإقليم موضعا لاهتمام العالم المتحضر بأسره·
إن أراضي إقليم دارفور النائية قد لا تكون لها أهمية كبيرة بالنسبة للمصالح الاستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة··· ولكن القتل الجماعي للأبرياء، من الرجال والنساء والأطفال، يجب أن يكون دافعنا للتدخل وإثبات شجاعتنا الأخلاقية·
فعن طريق قيامنا بالعمل الآن نستطيع المساعدة في الحيلولة دون أن تتكرر أسوأ اللحظات في القرن الماضي مجددا في قرننا الجديد·
ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست''