في مطلع الشهر المقبل يُفترض أن يبحث مجلس الأمن ملف إيران النووي، وفي 21 منه، الذي يصادف عيد نوروز وبدء العام الإيراني الجديد يُتوقع أن تبدأ العمل بورصة النفط في طهران· العلاقة بين الحدثين أكثر من ظرفية، فكلاهما حجر في رقعة الشطرنج الإيرانية، والعراق ''القلعة'' التي يحتمي بها الإيرانيون، الذين ابتكروا لعبة الشطرنج· قرار إحالة ملف إيران، الذي صدر الأسبوع الماضي عن مجلس أمناء ''الوكالة الدولية للطاقة الذرية''، أمهل طهران شهراً تقريباً قبل مناقشته في مجلس الأمن· وشهرٌ في لعبة الشطرنج زمن طويل، استهلّه الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، بالاستهانة بتهديدات فرض الحظر على بلده ''نحن لا نحتاجكم قطّ، بل أنتم بحاجة إلى الشعب الإيراني''· سبقت ذلك تهديدات بمنع قيام مفتشي الوكالة الدولية بجولات مفاجئة على المواقع الذرية، وإلغاء تعهد سابق بوقف برنامج تخصيب اليورانيوم، الذي يُعتبر خطوة أساسية نحو امتلاك القدرة النووية، وأعقبه وزير الخارجية منوشهر مُتقي بالتصريح أن ''قرار الوكالة الدولية تركنا أمام خيارين فقط، المقاومة أو الاستسلام، وقد اخترنا المقاومة''· وهــــذه شعارات إعلاميـــــة قد تتردد، لكن ليس في تعهّد الرئيس الإيراني بأن يلتزم بلــــده في ''جميـــع نشاطاته السلمية بإطـــــار عمـــــل اتفاقية عــــدم الانتشــــار النـــووي''·
وواضح هنا أن إيران لم تنتهك التزاماتها وفق الاتفاقية، التي ''تسمح بتطوير بحوث إنتاج واستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية''· ورغم كل ما يُقال عن ''نظام الملالي'' في إيران فهو أكثر ديمقراطية من أنظمة ديكتاتورية عسكرية أخرى، لم تواجه أي عقوبات بسبب برنامجها النووي العسكري، أو إسرائيل، التي تملك أكبر مخزون للرؤوس النووية الحربية خارج القوى العظمى، وتحتل منذ نحو نصف قرن أراضي فلسطين وسوريا ولبنان، وترتكب جرائم يومية بحق شعوب المنطقة والسلم العالمي·
ويعترف الكاتب السياسي البريطاني تيموثي غارتن آش، أستاذ التاريخ في جامعة أوكسفورد بأن ''لعبة الشطرنج الإيرانية هذه متعددة الأبعاد وتجسّد واقع عالم متعدد الأقطاب''· ويعتقد آش أن إيران تحتاج إلى ما بين 3 و8 سنوات لتصبح قادرة على تقرير ما إذا كانت تنوي المضي في تحويل برنامجها النووي إلى سلاح· وجدير بالذكر أن روسيا والصين، اللتان صوّتتا إلى جانب قرار مجلس أمناء الوكالة الذرية أصدرتا بيانين منفصلين أكّدتا فيهما العزم على حصر الموضوع في نطاق الوكالة· ولم يحدد مجلس الأمن موعد مناقشة القرار ليتيح لممثلي الدول الأعضاء مناقشته في جلسات خاصة مغلقة، ولن تتّخذ أي خطوة داخل مجلس الأمن قبل اجتماع مجلس أمناء الوكالة الدولية لمراجعة موقف إيران، وتقرير ما إذا كان يستدعي طرحه في مجلس الأمن· والمعروف أن ملف كوريا الشمالية أحيل مرتين إلى مجلس الأمن، الذي اكتفى بالإدانة ولم يفرض أيّة عقوبات، على كوريا، بالرغم من انسحابها من ''اتفاقية عدم الانتشار''، وإعلانها عن المضي في بناء أسلحة نووية·
والنفط في السياسة الدولية كلعبة الشطرنج، التي يعتبرها بطل العالم الأميركي بوب فيتشر، الملاحق بتهمة معاداة اليهود ''حرباً تهدف إلى تحطيم دماغ الخصم''· وقد يوضح هذا تعهّد جورج بوش في خطابه السنوي بالتحرر من نفط الشرق الأوسط، وهي لعبة مارسها كل رئيس أميركي منذ عهد نيكسون، لكنها افتضحت في الموازنة المالية الجديدة· أثارت الموازنة، التي قيل إنها تبلغ نحو 3 تريليونات دولار موجة سخرية حادة، واعتبرتها صحيفة ''نيويورك تايمز'' بمثابة ''رواية خيالية متنكرة برداء الحقيقة''، وأضافت ''حتى الرواية الخيالية هنا منتحلة من موازنات مالية فاشلة في الماضي''·
وعلى ضوء الموازنة المالية الأميركية تبدو ''بورصة النفط الإيرانية'' المرتقبة كلعبة الشطرنج، التي يقول عنها اللاعب الروسي غاري كاسباروف إنها ''غابة بالأبيض والأسود''· فبورصة النفط ستتعامل بعملة اليورو الأوروبية· وهنا قد يكون منظر السحابة النووية فوق صحراء ''دشتي لوت'' الإيرانية أقل إثارة للاضطراب من ظهور منافس لسوقي النفط القائمتين على الدولار NYMEX في نيويــورك، وIPE في لندن· هذا هو حجم صدمة ''بورصة إيران النفطية'' في تقدير مارتن ووكر، الكاتب السياسي البريطاني، ورئيس تحرير وكالة أنباء ''يونايتد بريس إنترناشيونال''· يشاركه في الرأي وليام كلارك، مؤلف كتاب ''حرب البترودولارات: النفط والعراق ومستقبل الدولار''· اعتماد اليورو بدل الدولار في التعاملات النفطية، وهو الإجراء، الذي بادر إليه العراق عام 2000 وكان السبب المباشر في قرار الحرب ضده، قد يكون الأمل الوحيد لإنقاذ اقتصادات معظم دول العالم، التي توظف مدخراتها بالدولارات·
فالرفاه الأميركي قائم على تدوير كدّ وكدح أكثر من ملياري إنسان في الصين وروسيا والهند والمنطقة العربية، التي توظف أموالها بالدولارات في المصارف والسندات الأميركية· وفي العام الماضي أنفق الأميركيون أموالا أكثر مما حققوا· هذه ظاهرة لم يحدث مثيل لها في الو