الموت سنة الحياة والنفس المؤمنة لا تجزع للموت، بل تتقبله كفكرة تقوم عليها الحياة ولا تدعونا إلى الاستسلام، فإذا ما استسلمنا لفكرة الموت فلن نستطيع أن ننجز شيئا، بل سنتقوقع ونحبس أنفسنا ونفشل في أن نقدم ما هو مفيد لنا وللآخرين·
الأحبة يفجعون لفقدان حبيب أو صديق ويفجعون أشد الفجيعة لفقدان زعيم ترك بصماته التاريخية في كل زوايا الوطن· الشيح جابر الأحمد الصباح، أمير الكويت الراحل، أحد الزعماء الذين اتسموا طوال حياتهم بالهدوء والتواضع وبرحيله فجعنا في الكويت لفقدان قائد ترك بصماته في قلوب أهل الكويت وسمي بأمير القلوب· فقد كان الرجل طيب الله ثراه من خيرة الرجال الذين حرصوا على نهضة الوطن الكويتي ولم يكن ذلك مستغربا عنه، فهو الإنسان الذي كان يرى الأمور بأبعادها المختلفة، فعندما تعرضت الكويت للغزو الغاشم في عام 1990 ما كان بوسعنا أن نستمر في العيش لولا فكرة من الأفكار الكبيرة التي نذر الشيخ جابر الأحمد الصباح نفسه لها وهي فكرة الاستثمار في الأجيال القادمة· فالشيخ جابر كان وراء صندوق الأجيال وكان وراء فكرة الادخار للأيام السوداء التي حلت بنا في الثاني من أغسطس عام ·1990
عرف الشيخ جابر الأحمد الصباح طيب الله ثراه وأسكنه فسيح جناته بحبه للوطن وحرصه على تنشئة أجيال قادرة على تحمل المسؤولية وكان دائماً داعماً لكثير من المشاريع الوطنية التي نحظى بها اليوم·
الفترة التي حكم خلالها الشيخ جابر الأحمد كانت من الفترات التاريخية المتأزمة، لكنه استطاع بحنكته قيادة الكويت نحو بر الأمان وكان حلمه أن يدرك أهل الكويت أن الثروة الحقيقية هي الاستثمار في الإنسان، لذا وجدناه دائماً يبحث عن كل ما فيه الخير والصلاح لأبناء الكويت وكان يسعى إلى تأسيس بناء مؤسسي للدولة الكويتية·
عرف عن الأمير الراحل قلة كلامه، فالزعماء لا يميلون إلى الثرثرة، والكلمات البسيطة والمختصرة كانت أحد ملامحه كقائد استطاع بحنكة وذكاء أن يحقق الكثير للكويت· كما عرف عنه حبه للبساطة في العيش، وهي ميزة لا يتحلى بها كثير من الزعماء· حنكته وذكاؤه وبساطته قربته إلى قلوب الناس وجعلت له مكانة كبيرة في قلوبهم وصدق من أطلق عليه أمير القلوب·
لم يكن حبه مقتصراً على الكويت الوطن وإنما كانت له لمسات كثيرة على المستوى العربي والإسلامي والعالمي، فقد حرص الفقيد على حل الكثير من الأزمات العربية والإسلامية وكان دوره لامعا إبان فترة حكمه في تكريس العلاقات الأخوية بين الأشقاء والأصدقاء وحل الخلافات من خلال قنوات التفاهم التي اعتادت عليها الدول المتحضرة· ففي خطابه الشهير أمام الدورة 43 للجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1988 عندما كان رئيسا لمنظمة المؤتمر الإسلامي أكد على أهمية الاحترام والتعاون بين الشعوب وأكد على أهمية دور الأمم المتحدة باعتبارها أكبر منظمة دولية منوط بها الحفاظ على السلم العالمي· ومن أبرز ما قاله في خطابه المشهور ''لقد تعلق أمل الإنسانية بهيئة الأمم المتحدة منذ إنشائها، باعتبارها أعلى المنابر التي تعبر منها شعوب العالم عن آمال مستقبلها···''، وأشاد في خطابه ذلك بأهمية حيادية الأمم المتحدة· كانت مواقفه، سواء على المستوى المحلي أو العربي والدولي، مواقف نابعة من قلب تملؤه المحبة والسلام والرخاء·
حقاً كان الشيخ جابر الأحمد الصباح رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته قائدا بكل المقاييس، لذا فهو سيظل حاضراً في ذاكرة شعبه وحياً بيننا بأعماله الخيرة·