مع أنني على قناعة بأن الإرهابي العتيد أسامة بن لادن قد قتل في أحد الكهوف بجبال ''تورا بورا'' أو الجبال المجاورة لها منذ زمن، إلا أنني أفترض تجاوزاً بأن التسجيل الصوتي الذي أذاعته إحدى القنوات الفضائية، هو تسجيل حقيقي له· وعليه، فإنني أطرح بعض الأسئلة التي ما زالت حائرة في أذهان الكثيرين حتى اللحظة·
وأول تساؤل يخطر على البال هو: لماذا اختفى ''بن لادن'' أكثر من عام ونصف منذ آخر ظهور صوتي له، ليظهر الآن؟ أين كان وسط كل تلك الأحداث لو أنه كان خلال هذه الفترة حياً يرزق؟ ولماذا قرر فجأة الظهور في تسجيل صوتي فقط، ولم يظهر في شريط فيديو بالصوت والصورة كما درجت العادة من قبل؟
الأسئلة السابقة، وعدم وجود إجابة عليها، ترجح فرضية مقتل بن لادن منذ فترة طويلة· فلو أنه ما زال حياً حتى هذه اللحظة، لفضل الظهور في شريط فيديو لأنه يعطي مصداقية أكبر لدى أنصاره والمغرمين بفكره الإرهابي، بأنه ما زال على قيد الحياة·
هذا من الجانب الشكلي· أما من الجانب السياسي، فإن ما يلفت النظر هو هذا الكم من الغباء المستفحل الذي ينمو في أدمغة أنصاره· فالذين قاموا بـ''فبركة'' هذا التسجيل الصوتي، وما أسهل مثل هذه ''الفبركات'' اليوم باستخدام التقنيات الحديثة، لم يدركوا بعد أنهم فضحوا أنفسهم وكشفوا عن جهل في التعامل السياسي مع معطيات كثيرة·
فلقد سبق للمدعو بن لادن أن عرض ما يسميه هو وجماعته الإرهابيون، ''هدنة'' على الغرب· وسبق له أن قرن ''الهدنة'' بتهديد بشن هجمات إرهابية ضد المدنيين والأبرياء· وسبق للغرب أيضاً أن رد على مثل هذه التفاهات التي يطلقها بن لادن والظواهري بين الحين والآخر، رداً مفحماً وصريحاً وحازماً، لا يقبل أي تنازل أو تأويل· لا خضوع لأي تهديد ولا تفاوض مع الإرهاب، ونعم لاستمرار الحرب على كل الإرهابيين، بدءاً من بن لادن وانتهاء بالمتخلف الزرقاوي الذي يبدو أنه هو الآخر قد انتهى أمره وقضي عليه·
السؤال الذي يدور في الغرب هذه الأيام هو ليس ما يطلقه أنصار هؤلاء الإرهابيين من أشرطة مسجلة وأصوات ''مفبركة''، بل السؤال الأهم هو هل بقي أحد منهم على قيد الحياة، أم أن الحرب على الإرهاب قد قضت عليهم؟
الإجابة الأقرب إلى المنطق والعقل هي أن الرؤوس والأدمغة الإرهابية الكبيرة قد قُضي عليها، وأن أنصار هؤلاء ما زالوا يحاولون التشبث بأي أمل كاذب· و''فبركة'' شريط صوتي لابن لادن أو الظواهري أو غيره من المجرمين، هو أمر في غاية السهولة· والدليل على أن أنصار بن لادن يريدون بث الروح في الجسد الميت، هو أن المواقع الإرهابية على شبكة الإنترنت، أخذت، بصورة مفتعلة ومكشوفة، تحتفل بشريط بن لادن وكأنها كانت على قناعة بأنه ميت، وأن الشريط الصوتي هو الدليل على أنه لم يمت بعد!؟
الأمر الآخر الملفت للنظر، هو أن هذا الشريط الصوتي، جاء بعد أيام من قيام الطائرات المقاتلة الأميركية، بالإغارة على قرية على الحدود الأفغانية الباكستانية كانت تأوي أربعة من قادة الإرهاب، ومن المؤكد، طبقا لمعلومات استخباراتية، أن من بينهم المدعو أيمن الظواهري· ويبدو أن أنصاره أرادوا أن يحولوا الأنظار عن مقتله في هذه الغارة، بإطلاق الشريط الصوتي المزعوم للمدعو أسامة بن لادن!