هل استجابت حماس مُسبقاً لما يريده الغرب؟!
فرنسا تتوقف عن تمجيد ماضيها الاستعماري، وفوز حركة ''حماس'' يدخل العواصم الغربية في ''حالة طوارئ'' سياسية، ويعيد أيضاً، منطقة الشرق الأوسط إلى أجواء شبيهة بمرحلة الغليان والاستقطاب السياسي في الخمسينيات، هذا ما نقرؤه في جولة سريعة في افتتاحيات وعناوين الصحف الفرنسية·
فرنسا··· وماضيها الاستعماري: صحيفة لوموند نشرت مقال رأي، تزامناً مع إلغاء الرئيس جاك شيراك للمقرر المثير للجدل المتعلق بتمجيد دور فرنسا الاستعماري، خاصة في المنطقة المغاربية، وجاء العنوان: ''التاريخ لا يمتلكه المؤرخون''، بقلم المحامي آرنو كلارسفيلد''، الذي يرى أن ثمة شيئاً من المصداقية في الدعوة إلى إلغاء أي تمجيد للاستعمار، خاصة أن لفيفاً من المؤرخين الفرنسيين هم من أثار الجدل الحالي بمذكرة رفعوها في شهر ديسمبر الماضي زاعمين فيها أنه ليس من حق الدولة التدخل في كتابة التاريخ، ولا في الحكم عليه· وضمن ''المرافعة'' التي يقدمها الكاتب يكشف التناقض والروح الإقصائية التي تغلب على تفكير كثير من الفرنسيين حين ينظرون إلى الذاكرة الفرنسية، دون أن يضعوا في الاعتبار أن المجتمع الفرنسي الآن يضم ملايين العرب، والأفارقة، والأرمن، وغيرهم من الفئات التي تمتلك ذاكراتها الخاصة· وعلى عكس كلارسفيلد، كتب تييري أبورلييه مقالا عن نفس الموضوع في صحيفة لوفيغارو بعنوان: ''رؤية المغرب والجزائر مختلفتان حول الاستعمار الفرنسي''، مؤكدا أنه على عكس بعض النخب الجزائرية، فإن في المغرب كثيرا من المثقفين ممن يرون معنى إيجابيا في دور فرنسا التحضيري في شمال إفريقيا، ويستدل الكاتب على ذلك بملف نشرته مجلة ''تيل كيل'' المغربية وأيضا ببعض آراء وردت على ألسنة مثقفين مغاربة بمناسبة مرور خمسين عاماً على استقلال المغرب· غير أن أوبرليه يتجاهل، في غمرة حجاجه أن قطاعات واسعة من المغاربة يتذكرون ممارسات فرنسا في ''عهد الحماية'' ومن ضمنها قصف المقاومة المغربية في ''الريف'' بالقنابل الكيميائية وبالغازات السامة في العشرينيات من القرن الماضي·
عاصفة ''حماس'': اكتسح فوز حركة ''حماس'' افتتاحيات معظم صحف باريس يوم الجمعة الماضي، وقد عنونت لوموند الافتتاحية: ''عدم الاستقرار''، مبرزة أن هنالك سببين وراء فوز ''حماس'' هما الانسحاب الإسرائيلي الأحادي من غزة بحيث ترسخت لدى الشارع الفلسطيني قناعة بأن إسرائيل لا تستجيب إلا للغة القوة، وأيضا الرغبة في معاقبة حركة ''فتح'' والسلطة، على ما ارتبط بهما من فساد وسوء تسيير· غير أن ثمة أسئلة تكتيكية كثيرة يثيرها الوضع الجديد بالنسبة لواشنطن وأوروبا وإسرائيل، وهي أسئلة لم يستعد لها مسبقا أي من هذه الأطراف· وفي المقدمة من ذلك، طبعاً، كيف سيتعين عليها التعامل، ابتداء من الآن، مع سلطة فلسطينية تشغل ''حماس'' موقعا رئيسيا فيها؟ وكيف يمكن ترويض ''حماس'' نفسها، إذا لم يكن ثمة مهرب من التعامل معها؟ ثم، ما مصير ''أبو مازن'' الذي انتخب مؤخراً، إذا كانت حركته ''فتح'' خرجت من اللعبة؟ وأخيراً، تقول لوموند، بعد استمرار حالة الصراع في العراق، وتفاقم التهديد النووي الإيراني، ووصول ''حماس'' إلى السلطة، فهل ثمة أمل في أن يعرف الشرق الأوسط طعم الاستقرار؟ أما في صحيفة لوفيغارو فقد جاء عنوان الافتتاحية التي كتبها بيير روسلين متشائماً: ''خطر الحرب في فلسطين''، وفيها يتحدث مع ذلك إمكانية التأثير في حركة ''حماس''، بل لا يستبعد أن تعرف الحركة نفسها انقلابا، بحكم المسؤولية، على إيديولوجيتها التقليدية الداعية إلى ''تدمير إسرائيل''· ولئن كانت ''فتح'' التي ''هندست'' اتفاقات ''أوسلو'' 1993 لم تلغِ من ميثاقها رسمياً مبدأ ''تدمير إسرائيل'' إلا سنة ،1998 فكم من الوقت يلزم لكي تقوم ''حماس'' بخطوة مماثلة؟ غير أن الورطة اليوم بالنسبة لإدارة بوش مزدوجة، فهي التي كانت تتحفظ على مشاركة ''حماس'' في الانتخابات تجد نفسها اليوم، مرغمة ليس فقط على ''التعاون'' مع الحركة، وإنما مساعدتها على ممارسة الحكم· أما في مجلة الأكسبريس فنقرأ مقالا بعنوان ''تغير حماس غير الأكيد''، يرى صاحبه أن استلام المسؤولية رسميا يدفع عادة إلى التصرف بمسؤولية، ولكن العالم يطلب الآن من ''حماس'' أن تتخلى عن مبدأ العمل من أجل ''تدمير إسرائيل''، وهو مطلب استجابت له الحركة مسبقاً، وإن لم تقل ذلك صراحة، حيث إن مجرد مشاركتها في انتخابات برلمان نشأ بموجب استحقاقات ''أوسلو'' يعني أنها قبلت عمليا التعايش مع ''الأمر الواقع الإسرائيلي''· وفي صحيفة لومانيتيه اعتبر كلود كابان أن موجة العرق البارد التي تجتاح الآن الساسة الغربيين من فوز ''حماس'' تعبر في الواقع عن عدم قدرتهم على معرفة إن كان هذا الفوز بدد فرص السلام في المنطقة، أم أنه قربها، فمن يدري؟
الهجمة الإسلامية: في مقاله الأسبوعي في صحيفة لوفيغارو تناول الكاتب ألكسندر أدلر آخر تطورات المشهد السياسي في منطقة الشرق الأوسط، مستخدما بشكل خاص خياله السياسي -الواسع- لإيج