''الوضع حرج في هذه اللعبة، وحياة العديد من الناس في خطر، والنجاح يتوقف على القرارات التي ستتخذها''، هذا ينطبق على جميع ألعاب الفيديو، لكن لعبة الفيديو هذه ليست من النوع الذي يرمي فيه اللاعب القنابل أو يطلق فيه النار، فهذه الأمور ليست من الخيارات المتاحة· وبدل ذلك، على اللاعب أن ينظم مظاهرة احتجاج سلمية ضد حاكم مستبد، أو التطوع لتقديم المساعدات الأولية والخدمات الإنسانية عقب إحدى الكوارث الطبيعية·
في ظل التطور والنمو السريعين اللذين تشهدهما سوق ألعاب الفيديو، أصبح عدد متزايد من الناس يؤيد هذه ''الألعاب الجادة'' ويدافع عنها لأنها تشكل في نظرهم وسائل تعليمية جيدة وتستأثر باهتمام عدد كبير من الشباب· فعلى سبيل المثال، يوفر برنامج التغذية العالمي التابع للأمم المتحدة لعبة ''فود فورس'' (جماعة الغذاء)، وهي إحدى ألعاب الفيديو التي يمكن لعبها بالمجان عبر شبكة الإنترنت، والتي يقوم خلالها الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 8 و13 سنة بست مهمات من أجل المساعدة والإغاثة· وقد لقيت اللعبة نجاحاً باهراً، حيث تم تحميلها من الإنترنت أكثر من 2,5 مليون مرة·
وفي محاولة لإبراز الدور التثقيفي الذي يمكن لهذه الألعاب أن تضطلع به، قام مركز ''وودرو ويلسون'' الدولي بواشنطن بتأسيس ''مبادرة الألعاب الجادة'' بغرض النهوض بهذه الألعاب وبحث التحديات الكبرى التي تواجه الحكومات والجمعيات غير الربحية عبر استعمال هذه الألعاب· وفي هذا السياق، تقول ''سوزان سيغارمان''، التي شاركت في تأسيس ''ألعاب من أجل التغيير''، وهي جمعية غير ربحية ابتدأت نشاطها منذ سنتين وتقوم بتشجيع الألعاب الهادفة، إن العديد من المؤسسات باتت تلجأ في الآونة الأخيرة إلى ألعاب الفيديو نظرا لما تتميز به من انتشار واسع وإمكانيات فريدة في مجال التعليم·
ومن جهته، يقول ''ستيف يورك''، كبير المنتجين في إحدى شركات إنتاج الأشرطة الوثائقية بواشنطن، عن هذه الألعاب إنها ''طريقة مختلفة تماما للتعليم تقوم على التعلم عبر الممارسة''· وتقوم شركة السيد ''يورك'' بالتعاون مع شركة أخرى بإنتاج لعبة ''إي فورس مور باورفول'' (قوة أقوى) التي يسعى فيها اللاعبون إلى الإطاحة بحاكم مستبد عبر الطرق السلمية· ومن المرتقب أن تطرح هذه اللعبة الجديدة، التي تتميز بعشرة سيناريوهات خيالية مختلفة، في الأسواق ابتداءً من شهر فبراير المقبل· ومما يجدر ذكره أن شركة السيد ''يورك'' قامت بالتعاون مع إحدى الشركات في السنوات الأخيرة بإنتاج شريطين وثائقيين فازا بجوائز في الولايات المتحدة حول تغيير الأنظمة السياسية سلمياً، ومن بينهما الفيلم الوثائقي ''الإطاحة بالديكتاتور'' (سنة 2002)، والذي يحكي قصة إسقاط الرجل القوي في النظام الصربي السابق ''سلوبودان ميلوسوفيتش''· ويقول يورك ''لقد اكتشفنا أن العديد من الناس عبر العالم استعملوا أفلامنا لأهداف التدريب'' في دول تعاني من القمع والاضطهاد·
ومن جانبها، تقول ''ديب تيليت''، مديرة إحدى الشركات الرائدة في مجال ألعاب الفيديو، إن الألعاب الجادة تمثل ''سوقا ضخمة'' تنمو باستمرار، حيث تشكل لعبة ''إي فورس مور باورفول'' مثلا إلى جانب ألعاب مماثلة نحو 50 في المئة من المشاريع التي توجد قيد التطوير بشركتها حاليا· وحسب السيدة ''تيليت''، فإن الجيش الأميركي يأتي في مقدمة مطوري ''الألعاب الجادة''، فإذا كانت لعبة ''وورلد أوف ووركرافت'' (عالم الحرب)، التي تعد من أكثر ألعاب الفيديو القتالية شعبية في أوساط الشباب، قد استطاعت استقطاب 5 ملايين لاعب عبر الإنترنت، فإن لعبة ''أميركاز آرمي'' (جيش أميركا) التي يهدف من ورائها الجيش الأميركي إلى تشجيع الشباب الأميركي على الانضمام إلى الجيش، قد نجحت في استقطاب أكثر من 6,3 مليون لاعب عبر الإنترنت، ومن المنتظر قريبا أن تصبح متاحة عبر أنظمة الألعاب المنزلية·
''إينسيدانت كوماندار'' (قائد الحادث) لعبة أخرى طورتها شركة السيدة ''تيليت'' بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر لصالح وزارة العدل الأميركية، وتهدف إلى تدريب المتطوعين على أعمال الإغاثة والإنقاذ في حالات الطوارئ مثل حالات إطلاق النار في المدارس أو أزمات الرهائن أو حالات التسرب الكيميائي· وتقول ''تيليت'' إن شركتها ستقوم قريباً ببعث لعبة ''إينسيدانت كوماندار'' بالمجان إلى ثلاثين ألف مدينة وبلدة صغيرة للاستعمال من قبل المسؤولين المحليين والشرطة ورجال المطافئ ومديري المدارس، نظرا لأن بعض هذه المدن والبلدات الصغيرة ليس في استطاعتها تنظيم دورات تدريبية كبيرة لفائدة موظفيها·
وحسب ''تيليت''، فإن صنع ألعاب الفيديو مكلف للغاية، حيث يكلف تطوير الألعاب التي تحظى بشعبية كبيرة ما بين 3 ملايين دولار و20 مليون دولار، أما الألعاب الجادة، فرغم أنها أثبتت أنها هادفة وتحظى بشعبية كبيرة في نفس الوقت، فيمكن صنعها بأقل من ذلك بكثير، ولكن الإشكالية التي تطرح، حسب ''ديفيد راجسكي''، الذي يقوم بدراسة قدرات الألعاب في مركز ''وودرو ويلسون'' الدولي، ويعتبر