لا شك في أن ثمة أحداثاً كثيرة في المنطقة من العراق ومأزق السياسة الأميركية فيه وتداعياته الخطيرة، إلى فلسطين وانتخاباتها وأبعادها وانعكاساتها على موازين القوى الفلسطينية وبالتالي على القرار الفلسطيني بعد ميل عدد من الدول لمنع حركة ''حماس'' من المشاركة والتهديد بتعطيل الانتخابات، ثم ميل إلى منعها من الفوز الحاسم في الانتخابات، إلى لبنان والتطورات الدراماتيكية فيه والمآزق المختلفة والمعارك المتنوعة التي تشهدها البلاد منذ جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه خصوصاً، وهي بدأت مع فرض التمديد لرئيس الجمهورية إميل لحود في سبتمبر 2004 الماضي، إلى سوريا وأخطائها في لبنان والعراق ومع العالم أجمع وعزلتها ونتائجها، وصولاً إلى إيران ومفاعلها النووي وسياساتها في هذا الملف وغيره ومفاعيلها على مستوى المنطقة ككل، مروراً بأوضاع الخليج، ومصر وانتخاباتها· لكن ثمة أمراً مهماً استراتيجياً ينبغي التوقف عنده في هذه المرحلة بالذات يتجسـّد في الزيارات التاريخية التي قام ويقوم بها الملك عبدالله بن عبد العزيز إلى كل من الصين والهند وماليزيا·
لقد كتبت أكثر من مرة عن الصين، داعياً العرب إلى مزيد من التعاون معها، والتبادل التجاري والاقتصادي والتفكير بروح من المسؤولية والقراءة المستقبلية للتحولات التي يعيشها العالم ودور الصين الحاضر والمستقبلي وهي تكوّن إحدى أبرز القوى، إنْ لم تكن أول القوى، في العقود المقبلة في تقرير مصير العالم· إنها العملاق الذي ينمو بقوة وعناية، والذي يشكل قوة استراتيجية· وبالتالي كنت دائماً أتطلع إلى سياسة عربية منفتحة مبادرة لبناء علاقات معها، وتجنب مخاطر الأحادية التي جسدتها بكل أشكالها الخطيرة السياسة الأميركية في العقد الأخير، والتي لا تزال تتمسك بها إدارة الرئيس بوش رغم النتائج الكارثية التي حلت بالعالم من جراء تجاهل القوى الدولية الأخرى وإسقاط منطق الشراكة والتعاون·
ومعروف أن للصين دوراً فاعلاً في العالم ليس فقط في مجلس الأمن الدولي ونحن بحاجة إلى علاقات جيدة معها، بل أيضاً في محافل دولية أخرى وعلى المستويين السياسي والاقتصادي إضافة إلى ما تمثله من ثقل بشري هائل· ولذلك، فإن زيارة الملك عبدالله والاتفاقيات التي وقعها مع القيادة الصينية قد تؤسس لعلاقات صينية- سعودية، وصينية- خليجية، وصينية- عربية جيدة، وهي تشكل خطوة متقدمة في إطار رؤية استراتيجية لموازين القوى في العالم في المرحلة المقبلة، وكذلك للخيارات التي يمكن أن تتاح أمام دول مثل دولنا·
والعالم العربي بقيادة السعودية يملك إمكانات مالية وبشرية كبيرة أيضاً، ويمكن من خلال الاستثمار والتعاون الاقتصادي أن تكون ثمة مصالح كبيرة بيننا وبين الصين، وأن يعزز تلك المصالح السياسية العليا، لاسيما وأن الصين ليست بعيدة عن قضايانا تاريخياً، أو عن منطقتنا، بل كانت دائماً مؤيدة للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني· ولكن بدا في الفترة الأخيرة أن ثمة عملاً إسرائيلياً حثيثاً للتعاون مع الصين وصولاً إلى حد تبادل الخبرات العسكرية، وبيع الصين معدات عسكرية أميركية، وقد سبب ذلك أزمة لإسرائيل مع واشنطن، ومع ذلك استمرت في تعزيز علاقاتها على كل المستويات، مما يعزز الحاجة والضرورة إلى تعميق التنسيق والتعاون العربي معها·
أما الهند، فهي أيضاً دولة كبيرة مهمة متروكة للأسف من قبل العالم العربي على كل المستويات رغم الملايين من العمال الهنود الذين ينتشرون في عدد من الدول العربية، لكن ذلك ليس عاملاً كافياً لتطوير العلاقات، بل تشعر بعض الدول أن هذا الأمر قد يشكل خطراً على الاستقرار فيها على المدى البعيد· والهند دولة ديمقراطية راقية· لديها إمكانات هائلة، وقوة بشرية كبيرة وقدرات تقنية عالية، وتنقصها بعض الحاجات، وبالتالي يمكن للتعاون العربي- الهندي أن يشكل إطاراً آخر من أطر التنسيق والتكامل وتحقيق التوازن على الساحة الدولية· وتجدر الإشارة هنا إلى أن إسرائيل قد سبقت العرب أيضاً إلى الهند، وثمة تعاون إسرائيلي- هندي متعدد الوجوه والمجالات، وكان ينبغي أن يبادر العرب منذ زمن طويل إلى تصحيح علاقاتهم وتصويب سياساتهم، لاسيما وأن الهند والصين وقعتا مع روسيا بياناً يدعو إلى قيام نظام متعدد الأقطاب، يكرس التعاون بين دول العالم ويسقط منطق التفرد والسيطرة على المنظمات الدولية والاقتصاد العالمي وغير ذلك· وهذا الأمر يساعد العرب كثيراً، ويفسح المجال أمامهم لاعتماد خيارات عديدة متنوعة· من هذا المنطلق، فإن زيارة العاهل السعودي خادم الحرمين الشريفين إلى الهند أيضاً بعد الصين تندرج في سياق رؤية استراتيجية، ويجب أن تكون بداية سياسة جديدة تفيد العرب وقضاياهم· ولاشك في أن مجالات التعاون مع الهند كبيرة وبالتالي يمكن أن تكون الاتفاقيات والعلاقات التي ستنمو على أساسها باباً لمزيد من التفاعل والتطوير· إن الصين والهند دولتان كبيرتان أساسيتان في رسم مستقبل العالم· والعرب لا يجوز إلا أن يكونوا جزءاً فاعلاً في ذلك وهم قادرون