خلال الآونة الأخيرة أعلن عدد من العلماء الذين يبحثون في أسباب تقلص أعداد أحد أنواع الضفادع التي تعيش في المنطقة الجبلية بأميركا الوسطى والجنوبية أن الاحتباس الحراري، وما ينجم عنه من ارتفاع في درجات الحرارة، يتسبب -إلى جانب انتشار أحد أنواع الفطر- في القضاء على عدة أنواع من الكائنات البرمائية· ويشير الباحثون إلى الاحتباس الحراري بأصابع الاتهام، مستندين في استنتاجاتهم إلى أن انتشار هذا الفطر على نطاق واسع بموازاة مع انقراض أنواع حيوانية في أماكن واسعة من البرية قد تم تسجيله على نحو لا يمكن تفسيره بالمصادفة·
والواقع أنه في حال استمر الباحثون في التمسك بالتحليل الذي ذهبوا إليه، فسيكون الأول من نوعه الذي يربط بين التغيرات المناخية الأخيرة وانتشار الفطر الذي يقتل الضفادع وكائنات أخرى من نفس الفصيلة· والجدير بالذكر هنا أن بعض أنواع الفطر قد تسببت في القضاء على مجموعات من البرمائيات في مناطق عديدة من العالم خلال العقود القليلة الماضية·
بيد أن المتخصصين في الكائنات البرمائية وعلوم البيئة منقسمون إزاء نتائج هذه الدراسة، التي نشرتها مجلة ''نيتشر'' المتخصصة، قبل بضعة أيام حيث انتقد عدد من العلماء الدراسة على اعتبار أنها لا تخلو من ثغرات، وأنها تغاضت عن بعض النقاط التي تحتاج إلى المزيد من البحث والتمحيص، في حين اعتبر آخرون أنها دليل قوي على أن الاحتباس الحراري وما ينجم عنه من ارتفاع في درجات الحرارة، وهي ظاهرة يتسبب فيها البشر، قد ألحق الضرر بالطبيعة والحياة البرية· ويأتي هذا في وقت يعزو فيه العلماء معظم الارتفاع الأخير في متوسط حرارة الأرض إلى تكاثف انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري من المصانع والسيارات·
وقد أشرف على إنجاز هذه الدراسة الجديدة ''جي آلان باوندز''، عالم البيولوجيا بإحدى محميات كوستاريكا· وفي تعليق مرافق للدراسة، يرى عالمان لم يشاركا في هذه الدراسة أنها ''دليل قوي'' على أن الاحتباس الحراري الذي تسببه الأنشطة البشرية قد بدأ في إلحاق الأذى بالبيئة· واعتبر العالمان، ''آندي دوبسون''، عالم البيئة بجامعة برينستون، و''آندرو آر بلوستين''، عالم الحيوانات بجامعة أوريغون الأميركية، أن الضفادع ترسل نداء استغاثة إلى كل الجهات المعنية بمستقبل التنوع البيولوجي، وشددا على ضرورة التحرك بسرعة من أجل حماية المناخ والطبيعة· ومما تجدر الإشارة إليه في هذا السياق، أن أزيد من 110 أنواع من الضفادع فاتحة اللون كانت تعيش بجوار الجداول المائية في الغابات الاستوائية الموجودة بالنصف الغربي من الكرة الأرضية، غير أن نحو ثلثي هذا العدد تعرض للانقراض منذ الثمانينيات·
وأحد أبرز المشتبه فيهم الرئيسيين هو أحد أنواع الفطر الذي قتل في العقود الأخيرة عدداً من الكائنات البرمائية في المناطق الصحراوية كما في الغابات الاستوائية المنخفضة والمناطق الجبلية· غير أنه من غير الواضح ما إذا كان انتشار الفطر في العالم قد تم عبر التجارة في الكائنات البرمائية أم أن انتشاره لم يتم رصده لفترة طويلة قبل أن يطفو على السطح، خلال الآونة الأخيرة·
بيد أن المفارقة هي أن الفطر ينمو في المناطق الباردة، متحديا بذلك النظرية التي تقول إن الاحتباس الحراري هو السبب· ولكن الدكتور ''باوندز'' وفريقه وجدا، خلال ملاحظتهما لدرجات الحرارة والأمراض المنتشرة في الغابات الاستوائية، ما يفسر في رأيهم هذا الأمر، معتبرين أن الاحترار يسبب التبخر، وبالتالي فهو يؤدي إلى تشكيل الغيوم التي تؤدي بدورها إلى برودة الجو أثناء النهار عبر حجب تسرب أشعة الشمس، وإلى الدفء بالليل عبر المحافظة على الحرارة· ورأى الدكتور ''باوندز''، في حوار صحفي أجري معه مؤخرا، أن هذه العوامل قد تكون شكلت ظروفا مناسبة لنمو هذا الفطر القاتل وانتشاره·
بيد أن بعض الخبراء الذين قرؤوا الدراسة عبروا عن انزعاجهم من الثقة المفرطة التي تستشف من قراءة الدراسة وتحفظهم إزاء عبارات وردت في نصها من قبيل ''تسلط دراستنا هذه الضوء على لغز تقلص الكائنات البرمائية عبر إظهار أن الاحترار الكوني هو عامل رئيسي''· وفي هذا الإطار، ترى ''سينثيا كاري''، الخبيرة في أمراض البرمائيات بجامعة كولورادو الأميركية، أنه إذا كان تغير المناخ ونفوق الكائنات البرمائية يشكل، في حد ذاته، مشكلات خطيرة، فإن الدراسة موضوع الحديث قد فشلت في الإتيان ببراهين قوية، وأن كل ما قدمته لا يعدو كونه دليلاً ظرفياً، قائلة ''إنه من الصعوبة إثبات علاقة سببية على أرض الواقع حيث تتدخل وتتفاعل عدة عوامل على نحو معقد''·
ومن جانبه، أقر ''ستيفان شنيدار''، المتخصص في علوم المناخ بجامعة ''ستانفورد'' الأميركية، والذي عمل إلى جانب الدكتور ''باوندز'' في دراسات أخرى، بوجود نقاط في الدراسة ما تزال في حاجة إلى البحث والتمحيص، معتبرا في الوقت ذاته أنها تظل دراسة مهمة وقيمة· وقال ''إنه أمر معقد بالفعل''، مضيفا: ''عندما يكون المرء في المراحل الأولى من الدراسة فإنه يبحث عن الحجج، وعندما تتقاطع