يأخذني الظن وأنا أراقب ما يكتب في الصحافة المحلية -والآن دخلت معها الصحافة العالمية- إلى الاعتقاد أن مجتمع الإمارات لا توجد لديه قضايا جديدة تستحق أن يناقشها أحد من المسؤولين أو المراكز البحثية أو حتى أن يكتب فيها أحد من المهتمين·
فبمجرد أن تستعرض العناوين الخاصة بالقضايا التي يتم الاستعداد لمناقشتها من قبل الجهات الرسمية أو في الصحافة تجدها تدور حول: الخلل في التركيبة السكانية، البطالة والتوطين، ازدحام حركة المرور ومواقف السيارات، القروض الشخصية والديون، اعتصامات لبعض العمال وتأخير في دفع رواتبهم· وطبعا، تطول قائمة الموضوعات التي أصلاً تمت مناقشتها وتتكرر بصفة شبه يومية منذ أكثر من عقد، ولم يعد هناك مكان لقضايانا ''الجديدة'' وكأنه لا قضايا غير تلك التي نكررها يومياً·
ومع اعترافي بأهمية الموضوعات المطروحة وحيويتها وبالجهد المبذول فيما يتناوله المسؤولون والكتاب في سعيهم نحو تقديم حلول للمشكلات التي تواجهها الدولة وفي سبيل رصد العديد من عوامل الخلل وصولا إلى وضع أساليب ملائمة لمعالجتها، فإن ما كتب حتى الآن من مقالات حول القضايا التقليدية يقدر بالمئات كما عقد الكثير من الندوات وورش العمل وأنفقت ملايين الدراهم على البحوث ومازال الموضوع مستمراً·
وهذه الاستمرارية في النقاش وفي المشكلة ذاتها أمر يثير الدهشة والاستغراب بالنظر لما يستهلكه ذلك من جهود نحن بحاجة إلى استغلالها في قضايا أخرى، بل إنني أكاد أجزم أنه لا تخلو جامعة أو مركز بحث أو جهة رسمية من ملفات وحلول تتطرق إلى تلك الموضوعات، وأن هناك توصيات جدية وضعت وفق معطيات استطاعت أن تلامس جذور المشكلة لأنها أعدت وفق أسس منهجية كما أن هناك سياسات وخطط عمل سهر عليها الخبراء الذين تم استقطابهم لوضعها·
إن اجترار النقاشات من دون القفز خطوة إلى الأمام أمر لا فائدة منه والأولى أن تتم مناقشة القضايا الآنية التي تستحدثها المسيرة التنموية التي تشهدها الدولة كي لا تتراكم ملفاتها وتتضخم ويكون من الصعب علينا حلها بسهولة ووفق الطرق التقليدية المتعارف عليها وأن تصبح قضية معوقة للتنمية، وبالتالي تتعقد ومن ثم نقوم بـ''ابتكار'' الحلول الوقتية بغير علاج للمشكلة من جذورها، وربما الخلل في التركيبة السكانية والبطالة أفضل مثالين على ذلك، بعد أن اتسعت الفجوة في هاتين القضيتين والكثير من القضايا الأخرى بين ''المطلوب'' و''الممكن''· إعلامنا مشغول يوميا بالحديث عن مشكلة عدم دفع رواتب العمال في هذه الشركة الخاصة أو تلك أو رفض شركة خاصة أخرى تعيين خريج إماراتي، وهذه النوعية من المشكلات ليست جديدة بل هي قديمة وحلولها معروفة والمطلوب هنا هو اتخاذ قرار بعد أن قتلت القضية مناقشة وبحثا -أو هكذا أعتقد- ولا ينقص القضاء عليها سوى الحزم والصرامة مع المخالفين من القطاع الخاص وأيضا الضغط على هؤلاء المخالفين في الأماكن المؤلمة لهم مثلما يؤلمون الدولة ويشوهون سمعتها خارجيا·
الألم بالنسبة للقطاع الخاص لغة تعني المصالح و''البيزنس'' حسب مفهوم السوق، فالشركات المخالفة ينبغي أن تدفع فاتورة ما ترتكبه بحق الدولة وربما هذه هي اللغة الوحيدة التي يفهمها السوق·
حقيقة··· لا ينقص قضايا دولة الإمارات الجهد النظري -من نقاشات ودراسات وتوصيات- بل ما تنتظره من حلول، هي معروفة أصلا، تتمثل في تنفيذ التوصيات بدلاً من أن تبقى ''حبيسة'' الأدراج· فالحاجة ملحة إلى علاج سريع كي يمكن لمسؤولينا التفرغ للقضايا الأخرى· وما يهمنا في الوقت الحالي هو العمل على إنجاز تلك الملفات والحد من تفاقمها، فقضايانا خاصة قديمها معروفة وحلولها معروفة ولكن العبرة بجدية الجهات المعنية في ترجمة توجهات قياداتنا الطموحة ومواكبة ما يحمله لنا المستقبل من فرص وتحديات بهمة وجاهزية·