في الوقت الذي تقوم فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون بالنظر في خطواتهم المقبلة لاحتواء التهديد النووي الإيراني، تعالوا نستعيد معاً الأداء الضعيف لإدارة بوش في معالجة هذه المشكلة، حيث إن هذه الإدارة ومنذ أن جاءت إلى الحكم ضيعت أي فرصة أتيحت لها لوضع العلاقات مع إيران في مسار أكثر إيجابية·
وهناك ثلاثة أمثلة تبرز في هذا الخصوص: في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، عرضت طهران مساعدة واشنطن في الإطاحة بنظام ''طالبان'' وتأسيس نظام جديد في أفغانستان فكان رد بوش هو أن إيران جزء من ''محور الشر''·
وفي ربيع 2003 قام وزير الخارجية الإيراني بإرسال تقرير مفصل إلى واشنطن يعرض فيه الدخول في مفاوضات شاملة لحل كافة المشكلات الثنائية بين البلدين بما فيها برنامجها لتصنيع الأسلحة ومسألة دعمها للمنظمات الإرهابية المعادية لإسرائيل· ولكن رد الإدارة على هذه الوثيقة للأسف كان هو أن الدبلوماسيين السويسريين الذين حملوا ذلك التقرير من طهران إلى واشنطن قد قاموا بعمل لا يقع في نطاق اختصاصهم·
والآن نجد أن واشنطن وحلفاءها قد أصبحوا يواجهون خيارين غير جذابين للتعامل مع موضوع إيران النووي· الأول، إحالة الموضوع إلى مجلس الأمن الدولي وهو الموضوع الذي يلقى معارضة بسبب الخوف من قيام إيران بالحد من مبيعاتها من النفط في هذا الوقت، ولكن المشكلة بالنسبة لهذا الخيار أنه وفي الوقت الذي يشتد عليه الطلب على البترول لا يوجد أحد لديه الاهتمام باللجوء إلى إجراء قد يسفر عن قيام طهران بالحد من مبيعاتها البترولية· وهناك إجراء آخر في هذا الإطار هو فرض حظر على سفر المسؤولين الإيرانيين -من المحتمل أن يفرض كإجراء مؤقت- ولكن من غير المرجح أن تقوم روسيا والصين بالموافقة على هذا الإجراء·
الخيار الثاني وهو قيام الولايات المتحدة، أو إسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية إلى منشآت إيران النووية· ولكن المشكلة هي أن تلك المنشآت منتشرة في كافة أنحاء إيران، وهناك احتمال ألا يتمكن المخططون لتلك الهجمات من معرفة جميع الأهداف التي يتعين ضربها· كما أن الضربة قد تؤدي إلى عكس المستهدف منها، وذلك من خلال تقوية موقف طهران وزيادة إصرارها على الحصول على قدرات تصنيع أسلحة نووية·
هل هناك مخرج من هذا المأزق الاستراتيجي؟ التعامل الدبلوماسي مع الأزمة الإيرانية -والذي لم يكن خياراً سهلاً في أي وقت- ازداد صعوبة ليس فقط بسبب الاختيار السيئ للسياسات في واشنطن، ولكن بسبب الاتجاهات السائدة حالياً في السياسة الإيرانية؛ فالفوز الذي أحرزه السيد أحمدي نجاد على غريمه علي أكبر هاشمي رفسنجاني، يشير إلى أن عدداً كبيراً من الإيرانيين قد ربطوا بين دعوة رفسنجاني للتقارب مع الغرب بماضيه الفاسد ورفضوا الاثنين: التقارب مع الغرب والماضي الفاسد، وذلك لصالح النزعة القومية الشعبوية التي يعبر عنها أحمدي نجاد· علاوة على ذلك، فإن خطاب نجاد الفظيع عن إسرائيل والمحرقة، يهدد بجعل أي محاولة من جانب الغرب للتقارب مع طهران في المستقبل تبدو وكأنها نوع من الاسترضاء·
وهذه التطورات تحد بشكل كبير من الإمكانيات المتاحة أمام العمل الدبلوماسي بين الولايات المتحدة وإيران· ففي الوقت الذي يستمر فيه المسؤولون الإيرانيون الذين توجد خطوط اتصال بينهم وبين المرشد الأعلى آية الله خامنئي، في التأكيد سراً، على أن الفاعلين الرئيسيين في مجلس الأمن القومي الإيراني -وهو الهيئة المنوط بها اتخاذ القرار في بنية السلطة الإيرانية- لازالوا مهتمين بإجراء حوار استراتيجي مع الغرب، نجد أن السيد أحمدي نجاد لديه القدرة على حشد المعارضة اللازمة لمقاومة أي ''صفقات كبرى'' مع الولايات المتحدة·
وفي غيبة سياق استراتيجي أكثر إيجابية، فإن كافة الجهود الرامية لإعادة فتح المحادثات الإيرانية- الأميركية بشأن الموضوعات السرية ذات الاهتمام المشترك ومنها موضوع العراق مثلاً، ستكون في أحسن الأحوال تكراراً للتعاون التكتيكي قصير الأمد الذي قام بين البلدين بشأن أفغانستان·
خلال الأسبوع الماضي، اقترح وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل طريقاً للخروج من هذا المأزق، وهو طريق قد يساعد أيضاً على معالجة الكثير من التحديات الملحة في منطقة الخليج، وذلك عندما حث إيران على ''القبول بالموقف الذي اتخذناه من أجل جعل الخليج -باعتباره جزءا من الشرق الأوسط- منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل''·
وكان اقتراح الأمير سعود يحمل في طياته إيحاء ضمنياً بأن الخليج الخالي من الأسلحة النووية، يمكن أن يسبق إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في كافة أنحاء الشرق الأوسط· والولايات المتحدة وشركاؤها يجب أن يبنوا على هذه الفكرة، وأن يعملوا على دعم إنشاء مجلس للأمن الخليجي يضم إيران والعراق والسعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي· وهذا المجلس لن يحل محل التحالفات الأميركية مع الشركاء الأمنيين التقليديين في المنطقة، ولكنه سيعمل جنباً إلى جنب معها، وهو ما يش