أميركا تتشبه بالعالم الثالث
تشهد الساحة السياسية في الولايات المتحدة هذه الأيام نقاشا حادا حول دور السلطة التنفيذية وحدود صلاحياتها بالمقارنة مع الكونجرس الذي يفترض به أن يمارس التشريع والرقابة على أعمال الحكومة والرئيس، وهو النقاش نفسه الذي ينخرط فيه الكاتب الأميركي ويليام فاف من خلال المقال الذي نشرته ''وجهات نظر'' يوم الإثنين· منذ البداية يعبر الكاتب عن موقفه الصريح تجاه ما يجري في الولايات المتحدة من محاولات تبذلها الإدارة الحالية لتبرير عمليات التعذيب وتأصيلها في الدستور الأميركي باعتبار أن هذا الأخير يخول الرئيس حرية الحركة والتصرف من أجل حماية الأمن القومي الأميركي· ونحن في العالم الثالث نعرف جيدا هذه اللغة لأنها ليست غريبة علينا تماما· فكم من مرة يتم تبرير عمليات القمع الواسعة وكبح الحريات تحت مسميات عدة تتراوح بين قانون الطوارئ وضرورات الاستقرار الداخلي، فراحت الديمقراطية تنحر فوق مذبح الاستقرار الداخلي والأمن القومي· واللافت أن ما يحصل في أميركا ليس بعيدا عن هذا المنطق· فحسب كلام الكاتب، الذي يستند إلى ذلك القانون الشهير المعروف بـ''القانون الوطني''، تستطيع السلطات الأمنية اعتقال شخص يشتبه فيه لمدة قد تطول أو تقصر حسب الموقف دون عرضه على محكمة، أو السماح له بتوكيل محام للدفاع عنه· ويبدو أن الإدارة الأميركية تسوق نفس الذرائع والحجج الواهية التي نسمعها كثيرا في دول العالم الثالث والمتعلقة بحماية الأمن والقضاء على الإرهاب·
لكن أميركا ليست من دول العالم الثالث بالطبع، لذا أثير الموضوع على نطاق واسع في الإعلام الأميركي وتعالت الأصوات المعارضة لتبرير التعذيب، بل تدخل أعضاء بارزون في الكونجرس لمنع التمديد للقانون الوطني· وإذا لم تتدارك أميركا انزلاقاتها المخالفة للديمقراطية، فإنها مهددة بفقدان دورها العالمي، وربما الأفول نتيجة التناقضات الداخلية في الجسم الأميركي نفسه·
محمود زكي- أبوظبي