أزمة الطاقة في العراق وسراب إعادة الإعمار
لاشك أن الرئيس بوش سيعلن في خطاب ''حالة الاتحاد'' المقبل أنه يمتلك استراتيجية متكاملة لتحقيق النصر في العراق، وبالطبع سيلاقي كلامه احتفاءً كبيراً وتصفيقاً حاراً· لكنني شخصياً لا أصدق كلامه· ففي الوقت الذي ظل فيه بوش يرفض بعناد طيلة السنوات الثلاث الأخيرة الإقرار بالهزيمة في العراق، ها هو اليوم يتخلى عن أية محاولة باتجاه التقدم وإحراز النصر· ولكي أكون أكثر وضوحاً دعوني أشرح لكم بعض الأمور المتصلة بمعضلة الكهرباء في العراق· فقد أصبح النقص الحاد الذي يعاني منه العراقيون في مجال الطاقة أمراً بالغ الخطورة لأنه يمس مصداقية الحكومة مباشرة· وكما عبر عن ذلك وزير النفط العراقي السيد محسن شلاش في الأسبوع الماضي ''عندما ينقطع التيار الكهربائي، فإن البلاد تتعرض لدمار كبير، حيث تتوقف الصناعة وتتعطل مناحي الحياة، كما ترتفع وتيرة الهجمات الإرهابية''· وبالنظر إلى أهمية الكهرباء في عالمنا المعاصر فإنه يحق لوزير النفط العراقي أن يكون حازما في كلامه، خصوصا بعدما أصبحت حالات انقطاع التيار الكهربائي تشكل القاعدة وليست الاستثناء·
وفي هذا السياق أشارت وكالة الأنباء الفرنسية إلى العجز الرهيب في توفير الكهرباء الذي تعرفه منطقة بغداد، و''مساحة كبيرة في وسط العراق''، وهي المناطق ذاتها التي ينشط فيها التمرد وتشكل معقله الرئيس، حيث لا تتلقى المنطقة سوى ساعتين إلى ست ساعات من الكهرباء يومياً· ومعلوم أن انقطاع الكهرباء ليس مجرد إزعاج بسيط للأهالي سرعان ما يعالج، بل يؤثر الانقطاع على السير العادي للأعمال والمصانع، وينسف فرص العمل، فضلاً عن أنه يحطم معنويات العراقيين ويساهم في تغذية صفوف التمرد· وإذا كانت المساوئ معروفة، فلماذا يشهد العراق نقصاً حاداً في الطاقة يفوق أي وقت مضى؟ تتبادر مباشرة إلى الذهن عمليات التخريب التي يقوم بها المتمردون، وهو عامل لا يمكن إغفاله لولا وجود عوامل أخرى أكثر أهمية تتعلق بالأخطاء والعثرات التي ارتكبها المسؤولون الأميركيون في العراق عقب سقوط النظام ونتج عنها تفاقم انقطاع التيار الكهربائي· وهي الأخطاء التي أشارت إليها صحيفة ''لوس أنجلوس تايمز'' من خلال دراسة أجرتها حول أسباب العجز الكبير في توفير الطاقة بالعراق·
ويبرز في مقدمة العثرات التي أدت إلى نشوء مشكلة انقطاع التيار الكهربائي لجوء المسؤولين الأميركيين إبان إدارتهم للعراق إلى الغاز الطبيعي كمصدر أساسي لإنتاج الطاقة· ولتعزيز إمدادات الكهرباء في المناطق العراقية المختلفة تعاقد المسؤولون مع شركات أميركية لتزويد محطات الطاقة بمولدات تعمل بالغاز الطبيعي· لكن وكما ذكرت ''لوس أنجلوس تايمز'' تطلب الأمر ''أنابيب لنقل الغاز الطبيعي'' لتزويد المحطات الجديدة، والحال أن تلك الأنابيب لم توضع قط من قبل بسبب تركيز وزارة النفط العراقية وبتشجيع من السلطات الأميركية على مسألة تعزيز البنية التحية لإنتاج النفط وليس لنقل الغاز الطبيعي· وقد أدى وضع استراتيجية للطاقة في العراق تعتمد على الغاز الطبيعي دون التنبه مسبقا إلى عدم وجود الأنابيب اللازمة لذلك إلى إضاعة الكثير من الجهد والوقت· وعلى صعيد متصل عمد المسؤولون الأميركيون خلال الأيام الأولى التي أعقبت الحرب إلى إبقاء سعر الوقود والكهرباء منخفضا كما كان عليه أيام صدام حسين خشية حدوث اضطرابات· وترافقت هذه الخطوة مع إزالة الحواجز والقيود الجمركية عن البضائع الاستهلاكية في إطار سعي السلطات الأميركية لتحويل العراق إلى جنة تنعم بفضائل السوق الحرة·
والنتيجة هي ارتفاع استهلاك الطاقة بسبب الإقبال الكبير للعراقيين على اقتناء البضائع المستوردة من ثلاجات ومكيفات وغيرها دون أن تتوافر القدرة على تلبية الطلب المتصاعد على الطاقة· والخلاصة أن المسؤولين الأميركيين فشلوا فشلا ذريعا في معالجة قطاع الكهرباء في العراق، بل وتعدى عجزهم ليشمل القطاع النفطي أيضا· وقد نعتقد أن إدارة الرئيس بوش تمتلك خطة بديلة لتصحيح الأخطاء وتصويب الاختلالات لتغيير الأوضاع وتحقيق النصر، إلا أن ذلك لا يبدو قريبا· فبالرغم من الوعود المتفائلة للإدارة الأميركية ببذل كافة الجهود لإعادة إعمار العراق ووضع برنامج شبيه بخطة مارشال، إلا أنها مازالت تتردد في طلب المزيد من المال من أجل استكمال إعمار العراق· والأدهى من ذلك أن المسؤولين الأميركيين اليوم منكبون، حسب تقرير آخر أوردته ''لوس أنجلوس تايمز''، على إسداء النصائح التافهة للعراقيين، حيث صرح المستشار الاقتصادي في السفارة الأميركية قائلا ''إن العالم يتطلب قدرات تنافسية عالية'' وأضاف مسؤول آخر ''لا عناء، لا ربح'' واستطرد أحدهم ''لم يكن في نيتنا أبدا إعادة إعمار العراق''· ومن جانبه لم يعد وزير النفط العراقي محسن شلاش يعلق آمالا عريضة على المساعدات الأميركية للنهوض ببلاده، حيث قال ''لقد انتهت المساعدات الأميركية، وهي لم تكن فعالة في كل الأحوال''· ونظرا لفشل المسؤولين الأميركيين في إعادة بناء القطاع النفطي أقر وزير النفط العراقي بأن الحكومة