تشهد دولة الإمارات حاليا ثالث طفرة نفطية في ثلاثة عقود، لكنها أيضا تشهد في الوقت ذاته ثورة اقتصادية يأمل قادتها في أن تؤدي في النهاية إلى حماية البلاد من تقلّبات أسعار النفط، التي تتأرجح معها حالة الاقتصاد خفضا ورفعا بالقدر نفسه· وعلى عكس الطفرات النفطية السابقة، فإن انعكاسات الطفرة النفطية الأخيرة على الأوضاع الداخلية اختلفت عن سابقاتها شكلا ومضمونا، حيث عمّت هذه الطفرة جميع قطاعات الاقتصاد والمجتمع، حتى استطاع بذلك أن يحقق الاقتصاد الإماراتي ثاني أكبر معدل للنمو في العالم العربي خلال العام المنصرم، بحسب تقرير للأمم المتحدة صدر هذا الأسبوع·
فرغم الارتفاع القياسي في أسعار النفط، لم تتجاوز مساهمة القطاع النفطي من إجمالي الناتج المحلي لدولة الإمارات 27%، فيما بلغت مساهمة القطاعات غير النفطية 73%· بل إن القطاعات الاقتصادية غير النفطية في الدولة ظلت تلعب دورا مهما في الدورة الاقتصادية في ظل التنامي الإيجابي المتزايد في هذه القطاعات بشكل يدعو للتفاؤل أن هدف التنوّع الاقتصادي يسير في مساره الصحيح ويؤكد نجاح السياسة الاقتصادية للدولة· فوفقا لوزارة الاقتصاد والتخطيط، فإن القطاع غير النفطي تفوّق على قطاع النفط من حيث الأداء العام خلال العام المنصرم، محققا معدل نمو تجاوز 12%·
إلا أن معدلات النمو المرتفعة التي تحققها القطاعات غير النفطية يجب ألا تلفت النظر عن طبيعة ومدى ديمومة هذا النمو، إذ أن المدقق في مكوّناته، يلحظ أنه يتمحور حول ثلاثة قطاعات بعينها، متمثلة في التجارة والإنشاءات والمشروعات المالية، وهي قطاعات بدأت جميعها تقترب من سقف طاقتها الإنتاجية القصوى، ما يشكّل خطورة مستمرة على الاستقرار الاقتصادي، وبما يحتّم ضرورة التركيز على ضبط الإنفاق الاستثماري ووضع قيود على الطاقة الإنتاجية وترشيد معدلات النمو في هذه القطاعات· وهو ما يعني التحوّل من مرحلة تعزيز وفرة الطاقة الإنتاجية ورفع معدلات النمو إلى مرحلة وضع قيود على الطاقة الإنتاجية وكبح معدلات النمو في هذه القطاعات لتكون أبطأ مما هي عليه الآن، وفي المقابل الاهتمام بقطاعات استراتيجية ذات أبعاد خارجية تتجاوز حدود السوق المحلية الضيقة نسبيا، وتوسيع قاعدة الإنتاج وتنويعها وزيادة كفاءتها بصورة مستمرة تواكب متطلّبات المرحلة·
وإذا كانت هنـاك قطاعـات محدّدة هي التي تحرّك النمو الاقتصادي في الدولة، فلابدّ من القيام بإصلاحات اقتصادية حقيقية وإجراء تغييرات جذرية في البنية الاقتصادية بما يضمن ديمومة هذا النمو وبما يرفع من القدرة التنافسية في الأسواق العالمية· إن البيئة الاقتصادية العالمية التي تشهد انفتاحا كبيرا وتحوّلا بنيويا عميقا، تفرض على الإمارات، كما تفرض على غيرها من دول العالم، إعادة هيكلة اقتصادها بالطريقة التي تضمن مكانا مناسبا في الخريطة الجديدة للاقتصاد العالمي· فلا مفرّ إذن من ركوب موجة الإصلاح الاقتصادي بأسرع وأعمق مما يتمّ حاليا، والتحوّل من القطاع العام إلى القطاع الخاص، والاتجاه من اقتصاد مغلق إلى اقتصاد مفتوح، والتخلـّص من اقتصاد مرتهن بالنفط إلـى اقتصاد أكثر تنوّعا وديناميكية·
عن نشرة أخبار الساعة
الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية
www.ecssr.ac.ae