جوزيف ستيجليتز
حائز على جائزة نوبل للاقتصاد عام 2001
ليندا بلميز
مساعدة سابقة لوزير التجارة وأستاذة المالية العامة بجامعة هارفارد حالياً
في الاجتماع السنوي الأخير لـ''الجمعية الاقتصادية الأميركية'' الذي عقد الأسبوع الماضي، كنا قد استعرضنا تقديراتنا للتكلفة المرجحة للحرب على العراق· وكان في تقديرنا أن التكلفة الكلية للحرب، ستكون أعلى بكثير مما جرى التكهن به قبل الغزو، لكونها تتراوح ما بين تريليون واحد إلى تريلوني دولار، اعتماداً على المدى الزمني المحتمل لاستمرار وجودنا العسكري هناك· ونحن نضع هذا في الاعتبار، فقد خطر لنا أن إجمالي ما حققه فيلم ''تايتانيك'' عالمياً هو 1,8 مليار دولار، مع العلم بأنه يعد الفيلم الأكثر تسويقاً ومبيعاً على نطاق العالم بأسره· غير أن ذلك الدخل لا يعادل سوى نسبة 50% فحسب من حجم الإنفاق الأسبوعي العسكري لأميركا في العراق! وتماماً مثلما فعل الجبل الجليدي الذي ضرب ''تايتانيك''، تبقى التكلفة الكلية للحرب سراً خفياً وعائماً تحت السطح·
هذا ولم تقتصر تقديراتنا على تضمين تكلفة العمليات العسكرية التي تخوضها قواتنا هناك فحسب، وإنما تكلفة الفواتير والنفقات التي ستواصل الحكومة الأميركية سدادها خلال السنوات المقبلة· وتشمل هذه تكلفة الرعاية الصحية وفوائد وتعويضات الإعاقات الدائمة التي تصيب الجنود والمقاتلين، علاوة على الرعاية الصحية الخاصة المستمرة خلال الأربع والعشرين ساعة للغالبية العظمى من إجمالي الـ16,300 جندي الذين تعرضوا لإصابات بالغة أثناء الحرب· كما شملت التقديرات أيضاً تكلفة استبدال العتاد والمعدات الحربية المستخدمة في الحرب، واضعين في الاعتبار أن الحرب تستهلك من هذه المعدات والعتاد ما يتراوح بين ثلاثة وخمسة أضعاف ما تستهلكه أوقات السلم· وليس ذلك فحسب، بل أصبح لزاماً على الجيش الأميركي أن يدفع علاوات إعادة تجنيد مغرية للجنود، فضلاً عن رفعه لفوائد إعادة التجنيد هذه، كي يضمن استمرار الجنود المترددين في أداء الخدمة بين صفوف قواته· بل إن للحرب فوائد ديون خارجية متراكمة ومتصاعدة باستمرار على ميزانيتنا العامة، طالما أننا نعتمد في تمويلها على الاقتراض الأجنبي·
وقد ذهبنا أبعد من حدود الميزانية العامة، إلى تقدير تكلفة الحرب وتأثيراتها الكلية على الاقتصاد والمجتمع الأميركيين· وشملت هذه التقديرات بين ما شملت على سبيل المثال، حساب التكلفة الحقيقية للإصابات والإعاقات والموت· وللمزيد من التوضيح لهذه النقطة، هبْ أن مواطناً أميركياً ما، قتل في حادث سيارة أو نتيجة لإصابته أثناء عمله، ففي هذه الحالة تتلقى أسرته تعويضات عما لحق به من موت وضرر· وقد رصدت الميزانية العامة حوالى 6 ملايين دولار لتقديرات التكلفة الاقتصادية لموت الفرد· غير أن الجيش يدفع أقل من هذا الرقم بكثير، أي ما لا يزيد على 500 ألف دولار فحسب· ثم هناك تكلفة اقتصادية إضافية أخرى هنا، مردها أن نسبة 40% من مقاتلينا وقواتنا، تنحدر من قوات الحرس الوطني والوحدات الاحتياطية· والمعروف عن أفراد هذه القوات أنهم يكسبون أقل بكثير مما يكسبه أقرانهم في المهن المدنية العادية· وإلى ذلك كله تضاف حسابات التكلفة الكلية، المتمثلة في ارتفاع أسعار الوقود والنفط العالمي، الناشئة جزئياً عن عدم الاستقرار الأمني والسياسي في العراق·
والخلاصة النهائية التي نصل إليها هي أن اقتصادنا القومي سيكون أقوى بكثير حتماً، فيما لو استثمرنا كل هذه الأموال الطائلة داخل بلادنا وليس في العراق· ولاشك أن في احتمال إنفاقنا نحو تريليوني دولار على تلك الحرب ما يستوقفنا لإثارة طائفة من التساؤلات وعلامات التعجب والاستفهام· أولها أن الرقم المشار إليه أعلاه، يتجاوز كثيراً ما تكهنت به الإدارة قبيل شن الحرب· ولنذكر حينها أن البيت الأبيض لم يتردد لحظة واحدة في فصل مستشاره الاقتصادي لورانس ليندسي، الذي تنبأ باحتمال بلوغ تكلفة الحرب نحو مائتي مليار دولار، خلافاً لمبلغ الـ60 مليار دولار الذي قال به مكتب الميزانية الرئاسي· والسؤال: لمَ كانت تقديرات التكلفة المحتملة للحرب، منخفضة وغير واقعية، خاصة وأن العرف السائد في المكتب الرئاسي، هو تفصيل كل شاردة وواردة من التكلفة المحتملة لكافة المشروعات والعمليات الكبرى التي ينفذها؟ وغني عن القول هنا إن الحرب على العراق كانت حرباً اختيارية··· وأنها كانت ''مشروعاً'' ضخماً وعملاقاً··· فكيف يعقل ألا تخضع لتحليل تفصيلي لتكلفة الاحتلال طويل الأمد الذي كان متوقعاً؟!
أما السؤال الثاني فهو: هل ثمة طريقة ما لخوض الحرب على نحو أقل تكلفة وأكثر أمانا لجنودنا؟ نثير هذا السؤال وفي البال آخر الدراسات والتقارير التي أصدرتها وزارة الدفاع، وخلصت إلى أنه كان في وسع التحصينات والدروع الجسدية، أن تقلل من عدد الإصابات والقتلى بين جنودنا في العراق· لكن مع الأسف فإن التقتير والبخل وتضييق الإنفاق على مثل هذه الوسائل الدفاعية، ألحق ضرراً بالغاً بالتكلفة المالية بعيدة المدى للحرب، وللأسف