الإرهاب واستثمار الخوف
تلفت نظري دائماً مقالات الكاتب والمحلل السياسي ويليام فاف بعمقها وبعدها الفلسفي المتجاوز لحدود التحليل الصحفي اليومي للأحداث وقراءتها في إطار زمنيتها وآنيتها العابرة· وفي مقاله الأخير ''المحافظون الجدد··· وتجارة الخوف'' يتجاوز فاف ما تشيعه وتتناقله دوائر الإدارة الأميركية من أخبار متعمدة ومقصودة في حد ذاتها، عن سعي الجماعات الإرهابية المتطرفة للإعلان عن قيام إمبراطورية إسلامية، تمتد من إندونيسيا إلى أسبانيا وما وراءها، إلى الكشف عن الذهنية التي تروج لمثل هذه الأخبار وفضح دوافعها ونواياها قريبة وبعيدة المدى· والملاحظ أن نقد الكاتب ويليام فاف لهذه الذهنية قد استند على ثلاثة عناصر أساسية هي، أولا الميل لتضخيم الخطر الأمني الإقليمي والعالمي الذي باتت تمثله هذه الجماعات، مما يعني زيادة ما يمكن تسميته بـ''فوبيا الإرهاب''· ثانياً إساءة القراءة المتعمدة لأحداث العنف والشغب والمظاهرات التي عمت الجاليات المسلمة في الدول الغربية الأوروبية، وذلك بتجاهل الدوافع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي أدت لاندلاعها، وتصويرها كما لو كانت بسبب كراهية وراثية من قبل المسلمين لكل ما هو غربي ومرتبط بالحضارة الغربية· ثالثاً وأخيراً استثمار فوبيا الإرهاب والخطر الأمني، كاستراتيجية رئيسية تلجأ إليها دوائر المحافظين الجدد في واشنطن لتمرير سياساتها الداخلية والخارجية، بما يتناقض والطبيعة الديمقراطية لنظام الحكم الأميركي نفسه!
وكم تكون هذه الاستراتيجية واضحة ومفضوحة حين تقول الإدارة الأميركية إن العراق سيصبح نقطة الانطلاق لأوسع وأخطر هجوم على الحضارة والمجتمعات الغربية، علاوة على كونه قاعدة الانطلاق المحتملة للإعلان عن قيام الإمبراطورية الإسلامية المتخيلة والمتوهمة· فمع ارتفاع الأصوات الداخلية والخارجية المطالبة بتحديد جدول زمني واضح لوضع حد للاحتلال ولانسحاب القوات الأجنبية من العراق، تجد الإدارة ألا مناص من إيجاد مبرر ما لإطالة أمد بقاء قواتها هناك، طمعاً فيما ليس له أدنى صلة بأسلحة الدمار الشامل، ولا بأي من الذرائع الأخرى الملفقة التي شنت من أجلها الحرب!
إبراهيم السني إبراهيم- السودان