لا أبالغ إذا قلت إن هناك مخططا كبيرا واستراتيجية استعمارية جديدة يتم التحضير لها في أروقة أجنبية، لتصفية أكبر عدد من العقول العلمية العربية خلال السنوات القادمة بوسائل عديدة· والهدف هو حرمان الدول العربية من هذه العقول التي قد يكون لها دور كبير في إحداث نهضة صناعية وتقنية في الوطن العربي لا تسمح لها أميركا وإسرائيل· هذا المنهج الاستراتيجي الخطير الذي سلكته أميركا وإسرائيل في المنطقة العربية منذ خمسينيات القرن الماضي، وراح ضحيته الكثير من العلماء العرب ذوي التخصصات العلمية النادرة والدقيقة، كان أشهرهم الدكتور يحيى المشد، والدكتورة سميرة موسى عالمة الذرة، والدكتور مصطفى مشرفة عالم الفيزياء، والدكتور سمير حبيب عالم الذرة الشهير، وسعيد السيد بدير عالم الفضاء العالمي··· يتجدد الآن بقوة، خاصة بعد الغزو الأميركي للعراق والذي حمل معه خطة واضحة لتصفية العقول العربية وعلى رأسها تلك التي تتميز بكفاءة عالية، حيث تذكر التقارير الصحفية أنه قبل أشهر من بدء العمليات العسكرية ضد العراق، تم إعداد خطة إسرائيلية لتعقب العلماء العراقيين واغتيالهم، وأن قوات كوماندوز إسرائيلية تضم أكثر من مئة وخمسين عنصراً دخلت أراضي العراق بهدف اغتيال الكفاءات المتميزة هناك· ويفيد تقرير نشرته مجلة ''بروسبكت'' الأميركية بأن هناك مخططا واسعا ترعاه أجهزة داخل البنتاغون وداخل C.I.A وبالتعاون مع أجهزة مخابرات إقليمية لاستهداف هؤلاء العلماء، وأن المخابرات الأميركية حددت قائمة تضم 800 اسم لعلماء عراقيين وعرب ثلثهم من العاملين في المجال النووي والآخرون يعملون في مجال الكهرباء والاتصالات والهندسة والإنتاج الحربي· وقد بلغ عدد العلماء الذين تمت تصفيتهم وفق هذه الخطة أكثر من 251 عالما، إضافة إلى أعداد أخرى دفعت نحو الهجرة إلى خارج البلاد بوسائل وطرق مختلفة، كما تم اختطاف مجموعة أخرى أو تعطيلها مهنياً بإجبارها على العمل خارج مجال تخصصها·
وكما تشير مجلة ''نيوزويك'' (بتاريخ 10/1/2006)، فقد بدأ الآن استهداف الأطباء عبر الاغتيالات والخطف وأساليب الترويع والترهيب· ونقلا عن جمعية الأطباء العراقية فقد قتل 65 طبيباً عام ،2005 فيما خطف آخرون كثر أو تم تهديدهم بالقتل، واضطر مئات آخرون إلى مغادرة العراق· وهناك رسائل تهديد يومية تحمل عبارة مثل ''حان دورك الآن''، و''عليك أن تترك البلد''· والغريب أن حوادث الاغتيال هذه تتم بصورة منظمة وبمستوى عالٍ من الكفاءة· وتسجل دائماً ضد مجهول، والأخطر من ذلك هو أن هذه الممارسات امتدت إلى خارج العراق وأصبحت تتم بصورة مكشوفة ومن غير تحفظ أو خوف· وكما تشير إحدى الصحف العربية، هناك فروع عديدة لهذه الشبكة الخطيرة في بعض الدول الإقليمية، بهدف تنفيذ مخططاتها التي تستهدف تصفية أكبر عدد من الكفاءات العربية والعمل على تهجيرها بكل الطرق لإعادة العالم العربي إلى حظيرة التخلف·
هذا المخطط الخطير يبدو واضحاً بصورة دقيقة في الاغتيالات التي طالت بعض العلماء والرموز الفكرية والثقافية العربية، منهم مثلاً الدكتورة عبير أحمد عباس التي اكتشفت علاجاً لوباء الالتهاب الرئوي اللانمطي ''سارس''، والدكتور جمال حمدان الذي كان على وشك إنجاز موسوعته الضخمة عن الصهيونية وبني إسرائيل، ومحاولات الاغتيال العديدة التي طالت عددا من الرموز الفكرية والعلمية، سوف نكتفي بواحدة منها وهي قصة مصير الدكتور أحمد عبد الجواد أستاذ الهندسة صاحب أكثر من خمسمائة اختراع، والذي فوجئ في أحد الأيام بمقر الشركة التي يعمل فيها بدخول شخص أميركي يصطحب معه فتاة، تبين بعد ذلك أنها تعمل لصالح ''الموساد''، حيث أبلغه أن أميركا على استعداد لأن تقدم له جميع المساعدات ليخرج اختراعه إلى النور، بشرط أن لا يتم تزويد الدول العربية بهذه الاكتشافات المهمة· وعندما رفض قال له إن أميركا لن تسمح له بأن يصنع مسماراً واحداً خارج الولايات المتحدة·
إننا أمام مخطط استعماري مدروس واضح لاغتيال عقول الوطن العربي والثقافة العربية والهوية العربية، مخطط يشبه تماماً ما فعله هولاكو وجنوده عندما احتلوا المنطقة ودخلوا بغداد، وقتلوا أكثر من 800 ألف إنسان ودمروا المكتبات العربية والثقافة الإسلامية وآلافاً من الكتب التي ألقوا بها في نهر دجلة، إلى أن تحول ماء النهر إلى اللون الأسود، قتلوا العلماء والأدباء والمفكرين وهجروا أعداداً ضخمة منهم·