منذ أن اعتلى رئيس الوزراء الإسرائيلي إرييل شارون عرش السياسة الإسرائيلية قبل خمس سنوات إثر فوزه في الانتخابات وهو يتحكم في موازين السياسة الإسرائيلية باقتدار ويدير شؤونها رغم المشاكل والاضطرابات· لكن الشخص ذاته يمر اليوم بوعكة صحية خطيرة أدخلته أحد المستشفيات بمدينة القدس بعدما تعرض لجلطة دماغية حادة أرغمته على الخضوع لعمليات جراحية متكررة في الدماغ· وحتى لو حالفه الحظ هذه المرة وخرج سليما ومعافى، فإن مساره السياسي وصل إلى النهاية· وقد تصادفت الأزمة الصحية لشارون مع اندلاع اضطرابات سياسية تهدد التعايش الهش بين الفلسطينيين والإسرائيليين وتنذر بعودة العنف مجددا إلى ساحة الصراع بين الطرفين· وإذا لم يتم رسم طريق واضح للمسار السياسي بين الجانبين في المستقبل، فإن الهوة السياسية ستستمر في الاتساع بينهما، ما قد يؤدي إلى تقويض التهدئة بين الطرفين وعودة الوضع إلى المربع الأول·
وفيما يتعلق بأرييل شارون الذي يطلق عليه الإسرائيليون بتودد خاص اسم ''البلدوزر'' فإن العديد من المعلقين الغربيين ينظرون إليه على أنه سياسي من الوزن الثقيل قادر على المضي قدما في طريق السلام بعزيمة صلبة وإرادة لا تلين· ويذهب المعلقون الغربيون إلى أن شارون هو السياسي الوحيد من الجناح اليميني الذي يحظى بثقة الإسرائيليين وإجماعهم حول آرائه الخاصة بالقضايا الحساسة المتعلقة بالأمن، وبأنه الوحيد من بين السياسيين الذي يمتلك القدرة والسلطة معا لعقد صفقة مع الفلسطينيين وإرغامهم على قبولها، رغم تحفظاتهم· وفي هذا الإطار يحلو للمراقبين والمعلقين أن يشبهوا شارون بديغول في تعامله مع الجزائر، ونيكسون مع الصين، أو تشبيهه برئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ميناحيم بيجن أثناء انسحابه من سيناء· بيد أن إيال أراد، المستشار الاستراتيجي لأرييل شارون أدلى بتصريح السنة الماضية لصحيفة ''ذي تايمز'' في 23 نوفمبر يفند ما سبق، حيث نقلت الصحيفة على لسانه قوله ''لقد طرأ تحول أساسي وجوهري على أفكار أرييل شارون طيلة السنة الأخيرة، وخرج بخلاصة أن صيغة الأرض مقابل السلام لن تؤدي إلى إنهاء الصراع مع الفلسطينيين· فقد أراد شارون أن ينهي النزاع بتعهده السماح للفلسطينيين بإقامة وطن قومي لهم شريطة ضمان الأمن للمواطنين الإسرائيليين الذين عانوا كثيرا من العنف خلال الخمس سنوات من عمر الانتفاضة الأخيرة''· ويمكنكم أن تلاحظوا في هذا التصريح المطول عبارة ''وطن قومي'' بدلا من كلمة دولة·
من جانبه وصف لورد جاردون السياسي البريطاني أرييل شارون سنة 1986 بأنه ''متطرف قاس وخطير''، وهو الوصف الذي أتفق معه تماما، حيث يعبر عن الحقيقة الفعلية لشارون، هذه الحقيقة التي تدفعني إلى إبداء معارضتي القطعية لسياسات الجنرال طيلة سنواته السبعة والسبعين بما تخللها من بطش استمر إلى غاية دخوله المستشفى للعلاج· ومن وجهة نظر أوروبية سيبقى شارون مجرم حرب اقترف الكثير من الفظائع في حق الشعب الفلسطيني مقتربا في ذلك من جرائم الحرب التي ارتكبها جنرالات يوغسلافيا السابقة الذين نراهم في قفص الاتهام بالمحكمة الدولية بلاهاي· ومع ذلك مازال هناك بعض الصحافيين الذين يتهيبون من تسمية الأشياء بمسمياتها معتبرين أن أخطاء شارون إنما تنتسب إلى ماض ولى بدون رجعة، وأنه تغير بعد دخوله المعترك السياسي· وتذكرني هذه التبريرات الواهية بتلك التي يسوقها المدافعون عن نظام صدام حسين·
وإلى وقت قريب لم تصدر عن أرييل شارون أية إشارة تدل على اهتمامه بحياة الفلسطينيين وضرورة استفادتهم من الرخاء الاقتصادي والحياة الكريمة، خصوصا إذا كان يرغب في توفير الأمن للمواطنين الإسرائيليين· ورغم التحركات الأخيرة التي قام بها مثل تفكيك المستوطنات في قطاع غزة، إلا أنه لم يعلن بعد موافقته الصريحة على إقامة دولة فلسطينية ذات حدود معترف بها عالميا، بما في ذلك القدس الشرقية كجزء من حدودها الشرعية تكفل للفلسطينيين السيطرة على الأماكن المقدسة الإسلامية في المدينة العتيقة· وعلى العكس من ذلك خلف شارون وراءه تركة ثقيلة تمثلت في بناء الجدار العازل الذي يخترق الأراضي المحتلة ويقضم أجزاء مهمة منها، فضلا عن مساندته لإقــامة المزيد من الوحدات الاستيطانية غير الشرعية في الضفة الغربية متجاهلا القرارات الدولية في هذا الخصوص·
وإذا كان شارون قد استطاع ترسيخ مكانته العسكرية كجندي جريء ومقتدر، إلا أنه خلف وراءه أيضا سمعة سيئة كعسكري شرس وعديم الرحمة· فقد قاد المجموعات العسكرية التي استهدفت الفلسطينيين داخل إسرائيل في سنوات الخمسينيات، فضلا عن إشرافه على اجتياح لبنان سنة 1982 عندما كان وزيرا للدفاع في إسرائيل، ثم الدور الكبير الذي لعبه خلال مذابح صبرا وشاتيلا، حيث حملته لجنة تحقيق إسرائيلية ''المسؤولية غير المباشرة'' على المذابح التي ارتكبت في حق الفلسطينيين أثناء اجتياح لبنان· وفي سنة 1998 خطب في المستوطنين حاثا إياهم على احتلال ''المزيد من التلال، والتوسع في المناطق الفلسطينية''·
وجاءت القشة التي