إن كنا قد تعلمنا أي درس مهم من الوضع العراقي الراهن، فهو أن الوضع كان سيصبح أفضل كثيراً، لو أنا تصدينا لمعضلة الرئيس العراقي صدام حسين وطموحاته في الحصول على أسلحة الدمار الشامل بالوسائل الدبلوماسية، بدلاً من استخدامنا القوة العسكرية معه· وكما نعلم فقد كانت الأسباب وراء فشل العمل الدبلوماسي كثيرة ومتباينة جداً، بما فيها عزم إدارة بوش على اختبار نهج الحرب الاستباقية الذي آمنت به· غير أن الولايات المتحدة الأميركية -ولا داعي لذكر بقية دول العالم الأخرى- تكاد تنزلق الآن إلى أزمة جديدة تتعلق بدولة راديكالية أخرى متشددة من دول العالم الثالث هي إيران· ومما لاشك فيه أنه لمن مصلحة الجميع -بما في ذلك إيران نفسها- أن يتمكن العالم من التوصل إلى حل للمأزق الحالي، قبل أن يتحول إلى أزمة دولية عميقة أخرى·
وقد تبين لي هذا الاتجاه بكل وضوح، إثر تبادلي الحديث مع عدد من الخبراء في الشؤون الإيرانية والشرق أوسطية· وفيما لو مضت طهران فيما هي ماضية فيه الآن، وتمكنت من تطوير أسلحتها النووية، فمن الأرجح أن تلجأ الولايات المتحدة -سواء بدعم حلفائها وأصدقائها أم بدونه- إلى استخدام القوة العسكرية ضدها· ومما لاريب فيه أن في حصول إيران على الأسلحة النووية خطراً أمنياً كبيراً على المنطقة بأسرها، بما فيها إسرائيل والمملكة العربية السعودية· غير أنه مما يفوق الشك أيضاً أن في مجرد استخدام القوة العسكرية، حتى ولو كانت في نطاق محدود جداً، بغية إزالة وتدمير مرافق ومنشآت بعينها، خطرا يصعب التكهن بعواقبه ومآلاته·
وفي الوقت ذاته فإن علينا أن نضع نصب أعيننا احتمالات وآفاق البرنامج النووي الإيراني، على الرغم من اعتقاد معظم الخبراء والمراقبين بأن سنوات طويلة لا تزال تفصل ما بين إيران وامتلاك السلاح النووي· ويعتقد الخبراء أنفسهم أن لدى إيران الآن عدداً محدوداً جداً من أجهزة الطرد المركزي، وهـي تقنية حاسمة في تطوير الوقود النووي إلــى مستوى السلاح· والذي تنهمك فيه طهران حاليا هو النشاط المعملي المرتبط بتطوير الطاقة النووية· وإنه لمن المعلوم أن قدرة إيران على تطوير برامج القنبلة النووية فعلياً، تتطلب منهـا الحصــول علـى 50 ألفاً من أجهزة الطـرد المركـزي·
ومن الناحية الزمنية، فإن ذلك يتطلب بدوره ما بين خمس إلى عشر سنوات· كما يعتقد خبراء الشؤون الإيرانية أن المسألة كلها لا تعدو كونها حمية وطنية عامة، تسري في أوصال كافة القوى والأحزاب السياسية الوطنية، وتكاد تتجاوز كل الخلافات الدينية والسياسية والعرقية بين الإيرانيين· ولكن الذي لا يزال غامضاً ومجهولاً هو ما إذا كانت طهران تتمسك فعلياً بمجرد الحق الوطني في أن تكون لهـا طاقتها النووية السلمية كمـا تدعي، أم أنها تعكف سراً على تطوير قنبلتها النووية؟
ثم الأكثر خطراً من كل ذلك، قراءة طهران الخاطئة لواشنطن· ويتلخص هذا الخطأ في أمرين أولهما ركون إيران وتعويلها على عمق المأزق الذي تواجهه واشنطن في العراق، مما يحملها على ما يشبه الاعتقاد الجازم بأنه لن يكون في وسع واشنطن توجيه أي ضربة عسكرية لها تحت أي ظرف من الظروف· أما الخطأ الثاني فيتمثل في تعويل إيران على ما لها من يد طولى في الشأن العراقي، وهو كابح آخر يمكن أن يمنع من توجيه ضربة عقابية لطهران· وبكلا الاعتقادين، إنما تغامر طهران مغامرة كبيرة غير محسوبة جيدا·
ولذا فإن من المهم الآن استنفار الجهود الدبلوماسية كلها، والتصدي للأزمة قبل أن تصل فصولها إلى ما وصلت إليه سابقتها العراقية· ويتضمن ذلك الإسراع بحلها وهي لم تزل بعد في مراحلها الأولى المبكرة· ويتطلب هذا تشكيل جبهة غربية موحدة، شريطة التعاون الفاعـل مع كل من الصين وروسيا·
ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست''