ما من شك في أن الدول العربية تدرك الآن أكثر من غيرها هول ما جرى وما يجري في العراق، بدليل كل هذه الجهود الحثيثة المبذولة للحيلولة دون ظهور عراق جديدة في سوريا·
إن منطقة خطيرة وحساسة مثل العالم العربي، لا تحتمل أصلا بؤرة توتر بحجم العراق، الذي تحول رغم كل المساعي المبذولة لإنقاذه الى ما يشبه الثقوب السوداء في الفضاء أو المستنقعات العميقة في الارض· وسوريا بوضعها الإقليمي الدقيق تمثل، رغم كل شيء، حجر زاوية مهم في المنطقة· وأي محاولات لهز استقرارها أو وقوعها في حالة من الفوضى، تقل أو تزيد ، عما يجري في العراق، سيكون كارثة حقيقية بكل المقاييس لمختلف دول المنطقة·
لأن سوريا تمثل ببساطة مع مراكز الثقل الأخرى في العالم العربي أركان النظام الإقليمي العربي أو ما تبقى منه إن شئنا الدقة خاصة في الجهة الشرقية من الوطن العربي·
والعبث بهذا التوازن - بعدما جرى للعراق - عمدا أو بغير عمد، بمبررات موضوعية أو بدون، إنما يعني ببساطة دفع هذا الجزء من العالم الى أتون فوضى شاملة وعارمة لن يستطيع أحد أبدا إيقافها أو ضبطها أو حتى الحد من أضرارها·
بكلام آخر سيبدو الأمر كما لو أنه عملية انتحارية لتفجير المنطقة بأسرها أو كما لو أن أحدا قرر أن يهدم المعبد على رؤوس الجميع·
نعم ثمة استحقاقات دولية يتعين على سوريا التعاطي معها بصورة ايجابية فيما يتعلق بجريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري·
وهذا يعني أنه على سوريا ألا تفعل مثلما فعل عراق صدام حسين·
أي عليها ألا تقف في مواجهة المجتمع الدولي أو تتعنت أو تتلكأ أو حتى تراوغ·
لكن في الوقت نفسه من الضروري أيضا على الأطراف الأخرى الا تستغل القضية لزعزعة الاستقرار أو لتصفية الحسابات الاقليمية·
في هذا السياق تبدو التحركات المصرية السعودية غاية في الأهمية· فالدولتان العربيتان الكبيرتان تقومان بمساع حثيثة ومخلصة لانقاذ الموقف·
والجديد هنا ان تلك الجهود بدأت مبكرا منذ البدايات· فالدرس العراقي القاسي أثبت أن التباطؤ أو تسليم ملف الازمة بأكمله للأطراف الدولية انتهى بما نراه الان على ضفاف دجلة والفرات· لذلك لا أحد في العالم العربي يريد تكرار السيناريو مرة أخرى·
السعودية من جانبها تقوم منذ بداية الأزمة بكل جهد ممكن لتطويقها ونزع فتيلها والحيلولة دون تفاقهما وهي لا تفتأ تقدم المبادرة تلو الأخرى لعل وعسى تجنب سوريا والمنطقة ويلات ما قد يحدث أو ما يريد له البعض ان يحدث·
ومصر من ناحيتها سعت ومازلت تسعى بدأب على مختلف المحاور والاطراف من سوريا الى الولايات المتحدة وفرنسا لانقاذ ما يمكن انقاذه·
يعكس ذلك تحولا ايجابيا في الموقف العربي من السياسات الدولية عموما ويثبت أن ثمة أملا في إمكانية التعافي والصمود في هذا المرحلة الدقيقة من تاريخ المنطقة·