في مارس المقبل ينتظر أن تعزز بريطانيا سمعتها كعاصمة المراقبة في الغرب بسابقة تاريخية تتمثل في تسجيل حركات السيارات على الطرق وتخزين البيانات لفترة عامين على الأقل· ويتعلق الأمر هنا بشبكة تتكون من آلاف الكاميرات المرتبطة ببرنامج حاسوبي يمكنه قراءة لوحات السيارات، ومقارنتها بأرقام الرخص الموجودة في قاعدة بيانات مركزية، وإشعار الشرطة بالمجرمين أو الإرهابيين المشتبه فيهم· ولذلك فقد أعرب مسؤولو الشرطة عن سعادتهم بهذه التكنولوجيا الجديدة، لكونها ستشكل أداة فعالة لمحاربة الجريمة وستساهم في جهود محاربة الإرهاب· ففي بعض المناطق البريطانية، حيث خضعت هذه التكنولوجيا الجديدة للتجريب، ارتفع عدد الاعتقالات التي يقوم بها كل شرطي من حوالى 10 في السنة إلى نحو ·100
ولكن المدافعين عن الحريات المدنية لم يخفوا مخاوفهم وقلقهم مما اعتبروه خطوة أخرى تخطوها السلطات على درب التجسس على المواطنين باسم الأمن والقانون والنظام العام· وفي هذا الإطار، يقول ''سيمون ديفيس''، مدير منظمة ''برايفسي إنترناشيونال'' المدافعة عن خصوصية الأفراد والحريات المدنية، إن ''الحرية وعدم كشف الهوية على الطريق العام مسألتان مهمتان في البلاد لاعتبارات ثقافية، ولذلك فأن يتم رصدنا وتحليلنا خلال قيادتنا للسيارة سيخلف ذلك بلاشك تأثيرا على الحالة النفسية الجماعية للشعب''· غير أن الشرطة تدفع بالقول إنها تحتاج إلى أفضل التكنولوجيات المتاحة للحد من المعدلات المرتفعة للجريمة ومواجهة تهديد الإرهاب· وفي هذا السياق، يقول ''جون دين''، وهو ضابط شرطة متقاعد، ''لقد استغرق الأمر بعض الوقت قبل أن يقتنع مسؤولو الشرطة بفعالية هذه التكنولوجيا الجديدة في رصد الجريمة ومحاربة الإرهاب''·
صحيح أن سائقي السيارات في بريطانيا، البالغ عددهم نحو 30 مليون سائق، قد اعتادوا على كاميرات المراقبة المنصوبة على حافة الطريق، سواء بهدف ثنيهم عن القيادة بسرعة مفرطة أو بهدف خصم رسوم الدخول إلى وسط لندن أوقات الاكتظاظ -8 جنيهات استرلينية- إلا أن النظام الجديد، ويدعى نظام ''التعرف الأوتوماتيكي على رقم اللوحة''، سيستفيد من الشبكة الكبيرة من الكاميرات الموجودة حالياً إضافة إلى كاميرات جديدة بغرض تسجيل أرقام لوحات ما لا يقل عن 50 مليون سيارة في اليوم، وتخزينها في بنك معلومات ضخم يحتفظ كذلك بالتاريخ والوقت والموقع· وهكذا، وفي ظرف ثوان، ستخبر قاعدة البيانات الشرطة بما إذا كانت السيارة المرصودة ذات أهمية بالنسبة لهم، والتحقق مما إذا كان رقم اللوحة ضمن قائمة السيارات المسروقة أو المشتبه فيها، والتحقق من مسائل أخرى من قبيل التأمين والضريبة وصلاحية استعمال السيارة على الطريق· وفي حال الاشتباه في إحدى السيارات، يقوم موظفو المراقبة بإشعار الوحدات المتنقلة للشرطة ويدلوها على موقعها· ويقول السيد ''دين'' إن الأشخاص الذين يقودون سيارات مسروقة غالباً ما يحصلون عليها في إحدى عمليات السطو، وبالتالي فمن المرجح إيجاد ممتلكات ومواد مسروقة في خلف السيارة، ولذلك فإن هذه التكنولوجيا فعالة جداً في الحد من الجريمة·
ولذلك يزعم مسؤولو الشرطة البريطانية أنه سيتم تشديد الخناق على المجرمين، سواء كانوا متورطين في المخدرات أو الأسلحة أو تزوير الهوية أو السرقة، بل وحتى الإرهاب· ففي تفجيرات مترو الأنفاق بلندن في السابع من يوليو الماضي تم استعمال سيارة على الأقل لنقل المنفذين وأغراضهم· وإذا كانت الشرطة لا تدعي أن هذا النظام كان سيحول بشكل أوتوماتيكي دون وقوع التفجيرات، فإن السيد ''دين'' يقول إن التكنولوجيا الجديدة، التي طبقت في بعض مناطق البلاد على صعيد محلي، قد ''أثبتت فعاليتها بالنسبة للتحقيق''·
وحتى في حال لم يتيسر اعتقال المشتبه فيهم بشكل فوري، فإن البيانات المسجلة ستساعد السلطات على تكوين صورة عن مسارات السيارات المشتبه فيها ووجهاتها وتحليل الرحلات التي قام بها السائقون على مدى عدة أعوام· هذا ومن المنتظر أن تستخدم المخابرات البريطانية أيضاً قاعدة البيانات، وذلك حسب ما أدلت به الشرطة البريطانية نفسها·
ولكن ثمة من لا يعتقد بأن الوثوق بالكاميرات والشرطة فكرة جيدة، حيث توجد في بريطانيا حاليا جماعات ضاغطة تعارض بقوة الزيادة في استعمال كاميرات مراقبة السرعة، التي يرى العديد من الناس أنها وسيلة لجمع الضرائب عوض أن تكون وسيلة تسهم فعليا في السلامة على الطرق· كما يتساءل العديدون أيضا حول ما إن كان الهدف الرئيسي من النظام الجديد، الذي سيكلف إنشاؤه عشرات الملايين من الجنيهات الإسترلينية، هو تسجيل المخالفات وجمع الغرامات والإيرادات من المخالفين·
إلى ذلك، يقول ''إيدوارد غارنيي''، وهو برلماني من حزب ''المحافظين''، إن البرلمان، وليس الشرطة، هو من عليه أن يحكم على صلاحية النظام الجديد من عدمها، وذلك نظرا لملامسته للحريات المدنية، وأضاف قائلا ''يمكنني أن أتفهم لماذا ترغب الشرطة في استعمال هذه التكنولوجيا، ولكن لا ينبغي أن تكون هي الحكم''· كما يرى المناوئون