بعد حياة حافلة بالعطاء، كرسها لبلده الكويت وللأمتين العربية والإسلامية، لبى الشيخ جابر الأحمد الصباح نداء ربه، تاركاً بصمات غائرة في ذاكرة التاريخ عن دوره المحوري البارز في قيادة شعبه نحو بر الأمان والاستقرار واستئناف مسيرة النهضة والرخاء، وأيضا عن جهوده المتميزة في سبيل تحقيق التضامن العربي والإسلامي·
وخلال فترة حكمه أولى، رحمه الله، بلاده جل رعايته واهتمامه، فحفلت تلك الفترة بالعديد من الإنجازات في جميع المجالات بقدر لم تعرفه من قبل في تاريخها، حيث عمل على استكمال مسيرة البناء والنهضة التي بدأها شيوخ الكويت من قبله، وعلى تطوير وإنضاج التجربة الديمقراطية تلبية لمتطلبات المجتمع الكويتي في إطار القيم والأخلاق ومبادئ الدين الإسلامي الحنيف· ورغم ما واجه بلاده من تحديات وأزمات وأنواء عاصفة، حمل أمانة الحكم في رعيته فنالوا منه العناية في مختلف مناحي النشاط الإنساني، واستطاع أن يوثق عرى العلاقة الحميمة معهم من خلال الرعاية الأبوية لهم على أساس المساواة الكاملة بين الجميع، وكان صاحب العديد من الأفكار البناءة الرائدة التي أفرخت صروحاً ومؤسسات راسخة، كما كان المهندس الأول لحركة الاستثمار في الداخل والخارج والمشرف بنفسه على الخطة الاستثمارية التي حررت الكويت من الارتهان لعوائد النفط·
وبكل حكمة واقتدار قاد سفينة الكويت في مواجهة أخطر ما يمكن أن تتعرض له دولة وشعب، عندما اجتاحتها قوات الغزو العراقي عام ،1990 حتى استطاع استعادة الحرية والاستقلال والسيادة الوطنية لبلاده، بفضل تضامن الأشقاء الخليجيين والأصدقاء من مختلف أنحاء العالم مع قضية بلاده العادلة، ووقوفهم إلى جانبها إلى أن تم تحريرها من قوات الاحتلال الغاصب·
ولعل أبرز إسهاماته الإقليمية أنه كان أحد مؤسسي مجلس التعاون لدول الخليج العربية عام ·1981 وبعد مشاركته في أعمال مؤتمر القمة التأسيسية للمجلس في أبوظبي، قال: ''إن مرحلة جديدة في منطقة الخليج العربي بدأت بتوقيع دول الخليج العربية على النظام الأساسي لمجلس التعاون، وإنني لأعتبر ذلك فاتحة خير وبركة لنا جميعا، وخطوة كبيرة نحو تحقيق ما تحمله نفوسنا من آمال في تماسك وترابط خليجي يجسد تطلعات ابنائه في حاضر ومستقبل نعتز به''·
لقد عمل الفقيد الكبير على تحقيق تلك الآمال بكل تفان وإخلاص، لذلك فإن خسارة الكويت وأمته العربية والإسلامية فادحة برحيله، والكلمات لا تستطيع أن تفيه حقه، لكن عزاءنا أن الغرس الذي رعاه طيلة تلك السنوات كفيل بتعزيز مسيرة الاستقرار والازدهار في الكويت، وفي توثيق روابط التعاون مع أشقائها وأصدقائها، وهم كثر في كل أنحاء العالم·