اللجوء من عسف إلى آخر
كم أثار إعجابي مقال الدكتور حسن حنفي ''أين يذهب اللاجئ العربي؟''، والمنشور على هذه الصفحات يوم أمس السبت، لما يعنيه ذلك السؤال من أهمية وجودية بالنسبة لملايين العرب الذين خرجوا من أوطانهم بحثا عن ملجأ أو بلد يأوون إليه، بعدما ضاق بهم العسف السياسي أو ذل الفاقة أو هما معا في بلدانهم الأم·
وإذا كان الكاتب يعلق على المحنة التي تعرض لها قبل أسابيع من الآن آلاف اللاجئين السودانيين في القاهرة على أيدي رجال الأمن، وما أعقب ذلك من تبادل للاتهامات بين الحكومة المصرية ومفوضية اللاجئين، فإن الموضوع في جوهره يمس ملايين المغتربين العرب الذين اختاروا المجازفة بحياتهم على امتهان دائم للكرامة في أوطانهم، إلا أن مجازفة اللجوء إلى بلد عربي قد تكون مضاعفة لمحنة اللاجئ العربي بما في كلمة محنة من معنى· ذلك أن اللجوء إلى البلاد العربية مشروط بمجموعة من الظروف على رأسها مناخ العلاقة بين حكومتي دولة اللاجئ ودولة الملجأ، فإذا كانت تلك العلاقة على ''ما يرام'' فالتنسيق يكون على أشده بين وزارتي الداخلية في البلدين لمنع مواطني إحداهما من اللجوء إلى الأخرى، أما إذا كانت العلاقات متوترة، فقد يسهل ذلك إمكانية اللجوء بشكل معين أمام مواطني كل من البلدين لدى البلد الآخر، لكن ما أن يعود الموقف إلى حالته الطبيعية بين الدولتين حتى نرى الشرطة وأجهزة الأمن تلتقط لاجئي الأمس واحدا وراء الآخر من الشوارع والبيوت، ليعادوا في أقفاص كي تتسلمهم وزارة الداخلية في البلد الآخر! ذلك هو أحد أوجه البشاعة في محنة اللجوء بين الدول العربية·
وفيما تسد الحدود وتغلق المطارات في الدول العربية أمام اللاجئ العربي، لا يبقى أمامه سوى الهرب إلى الغرب، وإن كان حاله هناك يشبه حال المستجير بالنار من الرمضاء، إلا أن بقية قليلة من تقاليد احترام الحقوق الآدمية، تظل أكثر رحمة من مخافر التحقيق العربية المخيفة· وعلى ضوء هذا المعنى يقول الدكتور حنفي: ''المهانون في أوطانهم لماذا لا يهانون أيضا في المنظمات الدولية التي مازال يحكمها تصور الرجل الأبيض للملونين بقايا الرق من أفريقيا الذي أحضر عنوة إلى العالم الجديد والى أوروبا للبناء والتعمير''· لذلك أقول إن من لا يحترم إنسانيته لا يمكن للآخرين أن يعاملوه باحترام!
ميا نادر- بيروت