من الملاحظ أنه لم يكن خطاب الرئيس الأميركي جورج بوش الابن، الذي ألقاه في 8 مارس 2005 أمام جامعة الدفاع الوطني عن ذوبان النظم غير الديمقراطية في ''الشرق الأوسط الكبير'' مجرد مصادفة وإنما هو مقصود ليعبر عن تصور الجماهير الأميركية نحو إيران لكي يتمرد الشعب الإيراني على النظام الديكتاتوري الذي يحكمه، حسب رأي بوش، وكان من شأن هذا الخطاب أن أعاد التوتر إلى الملف النووي الإيراني أمام الرئيس محمود أحمدي نجاد الذي اعتبر ذلك الملف أحد أبرز ملفات السياسة لما ينطوي عليه من إمكانية نقله من الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى مجلس الأمن تمهيداً لفرض عقوبات على إيران أو لتوجيه ضربة عسكرية أميركية أو إسرائيلية أو مشتركة ضد إيران للقضاء على ما تمثله من تهديد نووي، من وجهة نظر بوش، على الرغم من أن الأزمة النووية الإيرانية -هذا إذا افترضنا أن الضربة الاميركية لن تكون لمصلحة إسرائيل وأن هناك أزمة نووية إيرانية- بدت في طريقها إلى الحل من خلال المفاوضات المنتظرة بين إيران ودول الترويكا الأوروبية - ألمانيا وفرنسا وبريطانيا- تنفيذاً للاتفاقية التي عقدها هؤلاء الثلاثة مع إيران في باريس في نوفمبر ·2004 وقد عادت هذه الأزمة إلى الصعود باعتزام إيران تخصيب اليورانيوم بالإضافة إلى الخلاف بين إيران والترويكا حول موعد استئناف المفاوضات بينهما·
إن من شأن هذه التطورات أن تعيد التوتر إلى الأزمة النووية مع إيران التي تهدد في حال تحويل قضيّتها إلى مجلس الأمن بالانسحاب من معاهدة منع الانتشار النووي وبخاصة أن إحدى مواد المعاهدة تشير إلى إمكانية استخدام الطاقة النووية لأغراض سلمية، فأدرجت على جدول أعمال مجلس أمناء الوكالة منذ عام 2003 وتباينت مواقف الدول آنذاك بحيث أمكن التمييز بين الموقف الأميركي والموقف الإيراني والموقف الأوروبي· ويتلخص الموقف الإيراني في أن طهران ترفض تقديم أي تنازل بشأن تخصيب اليورانيوم وتعتبر ذلك من حقها بموجب المادة الرابعة من المعاهدة، كما أن من حقها أن تطالب بأن لا تكون مستهدفة عسكرياً من قبل الولايات المتحدة أو إسرائيل أو من قبلهما معاً في المستقبل· وتستند السلطة الإيرانية إلى وجود إجماع داخلي واسع·
ويبدو أن هناك أربعة محددات لمصير الملف النووي الإيراني في الوقت الراهن: 1- طبيعة المقترحات التي سوف تقدمها الترويكا الأوروبية، 2- إمكانية تخصيب اليورانيوم من قبل إيران لأغراض سلمية، 3- مضمون الموقف الأميركي، 4- إمكانية أو عدم إمكانية حصول إيران على ضمانات بعدم استهدافها عسكريا· وقد رد محمود أحمدي نجاد على خطاب بوش بخطاب ألقاه في مؤتمر (العالم من دون صهيونية) في 26 أكتوبر الماضي دعا فيه إلى ''إزالة إسرائيل من الخريطة'' محذراً الدول الإسلامية التي تسعى إلى الاعتراف بإسرائيل والتطبيع معها من أنها ستحترق ''بنار شعوب الأمة الإسلامية'' وبشر بعالم خال من الولايات المتحدة والصهيونية· وهكذا كرر الخطاب الأيديولوجي لقائد الثورة الإسلامية الإيرانية الإمام الخميني·
وتقول المخابرات الإسرائيلية إن إيران بحاجة إلى ما بين ثلاثة أو خمسة أعوام حتى تمتلك السلاح النووي، مع أن هناك أوامر من نائب الرئيس الأميركي الى البنتاغون كي يعدّ خطة لضرب المنشآت الإيرانية بأسلحة نووية تكتيكية، كما تلقى الجيش الإسرائيلي أوامر من أرييل شارون بالاستعداد لتوجيه ضربة إلى المنشآت النووية الإيرانية في منتصف مارس المقبل· والسؤال الذي يطرح نفسه هو مسار إيران في مفاوضاتها مع الترويكا الأوروبية وإن كان ذلك المسار يتصف بالشدة والإصرار على تنفيذ المعاهدة بحذافيرها!
لقد احتاط الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بأن استصدر من مجلس الشورى قانوناً ينصُّ على استئناف إيران تخصيب اليورانيوم إذا حول ملف إيران النووي إلى مجلس الأمن، مع التهديد بالانسحاب من البروتوكول الإضافي للمعاهدة الذي لم يقره مجلس الشورى الإيراني بعد!