وسط احتفالات المسيحيين ودول العالم بأعياد الميلاد ورأس السنة الجديدة، نشرت مجلة سلفية كويتية الصادرة مقالاً يهاجم بناء الكنائس والمعابد في ''جزيرة العرب''، ويعتبر افتتاح مثل هذه الكنائس إثماً كبيراً وجرماً عظيماً· المجلة المذكورة أعادت نشر فتوى وزارة الأوقاف الكويتية الصادرة عام 1989 والتي تمنع بناء الكنائس ونصها كما يلي: ''إن إنشاء أي دار للعبادة لغير المسلمين في دار الإسلام لا يجوز، وكذلك لا يجوز تأجير الدور لتكون كنائس أو معابد لغير المسلمين''· وذكرت المجلة أن فتوى الأوقاف يؤيدها بعض ''العلماء'' في الكويت، لكنها لم تذكر منهم سوى الشيخ ناظم المسباح والنائب الدكتور وليد الطبطبائي عضو مجلس الأمة، وكلاهما محسوب على التيار السلفي·
الشيخ المسباح قال في المقابلة ضمن المقال: ''لا يجوز بناء الكنائس في جزيرة العرب، ولا يجوز للمسلمين أن يأذنوا ببناء الكنائس في جزيرة العرب، ولا يجوز لهم أن يأذنوا ببناء كنائس في البلاد التابعة لجزيرة العرب''· وظهر تشدد الشيخ وخروجه عن روح التسامح العصرية، وواقعية التفكير، عندما سأله محرر المجلة عن حقوق الآسيويين والهنود من المسيحيين وغيرهم، في بناء أماكن العبادة الخاصة بهم: ''لا يجوز لهم بناء دور للعبادة، يعبدون إلههم في بيوتهم وفي مساكنهم ودون مجاهرة أمام الناس، فلهم أن يفعلوا ما يرونه، أما المجاهرة والإعلان فلا''·
موقف الدكتور الطبطبائي، المسؤول عن ''لجنة حقوق الإنسان'' في مجلس الأمة الكويتي، بدا متناقضاً حقاً من هذه القضية· فقد حاول إرضاء هذا الموقف السلفي المتشدد إزاء غير المسلمين، وفي الوقت نفسه الظهور بمظهر المدافع عن حقوق الإنسان، حيث قال ''إن ما حصل أخيراً من إقامة دور عبادة لغير المسلمين في الكويت أمر لا تقره الشريعة الإسلامية وهو محرم بالإجماع''· ثم قال برأي يماثل رأي الشيخ المسباح، أي عدم السماح بإنشاء ''المعابد'' والسماح لغير المسلمين بإقامة الشعائر''! ولكن ماذا عن الآسيويين المسيحيين؟ جواب د· الطبطبائي كان بكل تجاهل لحقوق العبادة وحقوق الإنسان المقرة دولياً: ''الوافدون معظمهم مسلمون، أما غير المسلمين، فمعظمهم عمالة مؤقتة تعود لبلادها''! ولكن ألا يحل محلها عادة أتباع نفس الدين وربما بأعداد أكبر؟ ثم من سلب العمالة المؤقتة حق التعبد العلني؟ من ''الحجج الدامغة'' سياسياً وفقهياً، التي أوردها رائد حقوق الإنسان في برلمان الكويت ''إن الغالبية العظمى والساحقة من الكويتيين من المسلمين''، بمعنى أن غير المسلمين والمسيحيين من الكويتيين والوافدين، مجرد أقلية لا وزن لها·· أمام ''الأغلبية الساحقة'' من المسلمين!
ولكن نتساءل جميعاً: ما دور المدافعين عن حقوق الإنسان، إن لم يكونوا حماة لحقوق الأقليات؟ الدكتور الطبطبائي ختم كلامه، رغم كل هذا، بالإشادة بالتسامح الديني في الكويت!! وقال: ''التسامح الديني هو السمة السائدة في المجتمع الكويتي ونحن نشجعها ونحفظ لكل مواطن ومقيم حريته الدينية وحقه في ممارسة شعائره، ولكن وفقاً للقانون والآداب العامة''! هل تُرضي مثل هذه الحجج والمواقف السلفيين وغيرهم من الإسلاميين إن استخدمها الأوروبيون والأميركان وسائر ''النصارى'' ضد ''الأقليات الإسلامية'' هناك، وضد العمال المهاجرين من مختلف الدول العربية والإسلامية؟
هل سيقتنع بها شيوخ الدين المسلمون في بلداننا وفي أوروبا، وهل سيسكت الكتاب الإسلاميون وفضائيات الإسلام السياسي؟
لا أريد الإشارة إلى مصالح المسلمين وسمعة الكويت وطبيعة العصر والبيان العالمي لحقوق الإنسان وتراث التسامح والاعتدال في المجتمع الكويتي··· فلا شك أن الشيخ المسباح والدكتور الطبطبائي قد سمعا الكثير من هذا الكلام الذي دخل في الأذن اليمنى مراراً··· ليخرج من الأذن اليسرى!
ما يهمني حقا هو أن يدرك القارئ مدى خطورة هذه الدعوات المنافية لحقوق الإنسان وحرية العبادة على مصالحنا في هذا العصر!
الموقف المعادي لبناء الكنائس وحرية العبادة العلنية، بالمناسبة لا يتبناه السلفيون وحدهم، بل هو موقف قديم عريق مسكوت عنه أحياناً لمصالح معينة، للإخوان المسلمين كذلك··· ومجلتهم الشهيرة في الكويت! تقول المجلة في عددها بتاريخ 16/8/1977: ''في عهد الاستقلال الذاتي، أُذن للكاثوليك النصارى ببناء كنيسة لأول مرة في تاريخ الكويت، بل في تاريخ الخليج العربي، بل في تاريخ الجزيرة العربية، وتم كل ذلك بصمت وهدوء لأن المسلمين نائمون··· إن دول العالم الكبرى كلها تتسابق على التسلل إلى مياه الخليج وإلى السيطرة عليها وامتصاص دمائها وتنصيرها، فهل يتم كل ذلك على يد مشايخ العرب المسلمين؟''!
ولم يكتف ''الإخوان'' في الكويت بمثل هذه المقالات، بل شفعوها برسائل وتوقيعات وشكاوى وحملات دعائية متصلة، ولكن الحكومة لحسن الحظ لم تستجب لهم دائماً!
والعجيب الغريب في محتويات المجلة السلفية أعلاه، ضمن نفس العدد الداعي إلى ''تحريم بناء الكنائس في جزيرة العرب'' أن المجلة تساءلت في مقال مطول: ''كيف نصحح صورة الإس