تعد الإدارة الرقمية، أو الإدارة الإلكترونية، مفهوما مبتكرا أملته المراحل المتقدمة من ثورة تكنولوجيا المعلومات واقتصاد المعرفة والاقتصاد الرقمي وأسهمت مجتمعة في تكوينه وانتشاره بوتيرة متزايدة· وكما أصبح الاقتصاد الرقمي يمثل مفهوما جديدا في بيئة الأعمال، فكرا وفلسفة، برز أيضا مفهوم الإدارة الرقمية في سياق المعالجة الإلكترونية للمعرفة وخلال المد المتواصل لظاهرة العولمة والكتل الاقتصادية الكبرى؛ ليعبر عن أفول الإدارة التقليدية وأنماطها العتيقة، وعن دخول وسائط وقنوات تدفق المعلومات كمتغير أساسي في بيئة الأعمال الجديدة· ويأتي كتاب ''الإدارة الرقمية، المجالات والتطبيقات''، لمؤلفه بشير عباس العلاق، كي يعرف بالأعمال والخدمات الإلكترونية، وإدارة تكنولوجيا المعلومات، وإدارة البيانات، وإدارة التغيير، والإدارة الاستراتيجية بالنظم، ونتاج الإدارة الرقمية ومستقبلها·
وحيث تعد الإدارة الرقمية مفهوما جديدا مبتكرا، فإن المؤلف يعرض أبرز الأبعاد النظرية لهذا المفهوم وهي: شبكة الأعمال، إضفاء الصفة شبه الذاتية على الموارد، التفهم المشترك للأعمال، التعاون كعملية تنظيمية متداخلة، صفة ''المؤقتية''، الاستراتيجية الشبكية الناشئة، الثقة بين الأطراف· ويميز الكتاب بين الإدارة الرقمية وإدارة المعلومات، فالرقميات تعمل على فضاء غير ملموس بينما المعلومات تعمل في فضاء ملموس وغير ملموس في آن معا، إذ ما زال العديد من المعلومات يعرض من خلال مادة ملموسة، أما ثورة الرقميات فهي التي أذنت بمجيء الاقتصاد الرقمي والإدارة الرقمية· وفيما يتعلق بموقع الأعمال الالكترونية في الإدارة الرقمية، يقول عنه المؤلف إنه توليفة شبكية إلكترونية من البنى التحتية لتكنولوجيا المعلومات، والتطبيقات البرمجية وتكنولوجيا الانترنت وغيرها، بما يتيح تبادل المعلومات وتنفيذ النشاطات والعمليات وصوغ استراتيجيات الأعمال وتطبيقها بكفاءة وفاعلية· وهكذا نرى أن الإدارة الرقمية بوصفها منظومة متكاملة وبنية وظيفية وتقنية مفتوحة هي إطار يشمل: الأعمال الالكترونية للدلالة على الإدارة الالكترونية أو الرقمية للأعمال، والحكومة الالكترونية للدلالة على الإدارة الرقمية العامة أو الإدارة الرقمية لأعمال الحكومة الموجهة إلى المواطنين·
ويتطرق المؤلف إلى تطبيقات الإدارة الرقمية ويغوص في تفاصيلها؛ فهي إدارة تترعرع وتنمو في بيئة الابتكار والخلق والإبداع، وتستمد قوتها من معين الفكر التكنولوجي والإبداع المعرفي كسمة رئيسية للاقتصاد الرقمي، بل تمثل الإدارة الرقمية أسلوب عمل مفتوح لتسيير الأعمال والنشاطات الافتراضية، وهي لذلك تختلف من حيث الأسس والآليات عن الإدارة الحديثة ذات النهج المكاني الضيق· ولعل أفضل تجسيد لحيوية الإدارة الرقمية وديناميكيتها ودورها في تفعيل نتائج الأعمال وتعظيمها، هذا التحول الكبير الذي تشهده بيئة الأعمال اليوم؛ من الإدارة المكانية المحدودة إلى الإدارة الرقمية/الافتراضية، حيث تتسارع خطى الشركات والمنظمات والهيئات على اختلافها لتلتحق بعالم الإدارة الالكترونية الافتراضية تاركة وراءها كل ما تعلمته عن الإدارة المكانية الحديثة· وأخذا في الاعتبار لذلك التحول النوعي، يؤكد المؤلف على أن الأعمال الالكترونية برمتها، صارت تحتاج إلى إدارة رقمية تتولى مهام تسييرها وصولا إلى الأهداف الجديدة المنشودة· فقد ظهرت بيئة العمل البديلة وهي العالم الافتراضي الرقمي الذي يوجد فيه العاملون بأعمالهم وتقنياتهم وليس بأجسادهم، ويقومون بتسيير أعمال منظماتهم ونشاطاتهم من خلال الإدارة الرقمية حصرا· ويشرح المؤلف مكونات الإدارة الرقمية، والتي تشمل متغيرات أساسية تلعب تكنولوجيا المعلومات وإدارتها دورا محوريا فيها، وهذه المتغيرات هي: استراتيجية المنظمة، والأفراد، وثقافة المنظمة، وتكنولوجيا المعلومات في إطار البيئة الداخلية المتفاعلة من خلال الشبكة الداخلية (إنترنت)، والبيئة السريعة التغير من خلال الشبكة الخارجية (اكسترنت)· وإذا كان مفهوم المنظمة الافتراضية، كما تجسده الإدارة الرقمية، قد أخذ مداه الأبعد حتى الآن في المنشآت التجارية وقطاعات رأس المال الاستثماري، فهو ليس حكرا على هذه المجالات بل إن تطبيقاته تعرف تزايدا مستمرا في ميادين الأعمال الحكومية ونشاطات المنظمات غير الربحية· فالمشروع الافتراضي المبني على الإدارة الرقمية في استخدام رسائل الهاتف المحمول في قرى الهند -مثلا- أصبح كفيلا بنشر الخدمات الطبية في المناطق النائية والفقيرة· وفي كمبوديا نجحت جهود منظمات المجتمع المدني في تشكيل مشروعات افتراضية لدعم صغار مزارعي أشجار الكاوكاو والبن في المناطق الريفية البعيدة· كما تمثل تجربة بنجلاديش في إقامة مشروعات تعليمية افتراضية في القرى الفقيرة، برهانا قويا على كيفية تطويع الإدارة الرقمية لنشر التعليم في مناطق ظلت محرومة منه لسنوات طويلة· وفي الصين لجأت الحكومة المركزية إلى أسلوب المنشآت الافتراضية لتغطية جنوب البلاد بالخدمات الص