سواء توفي شارون أم لا، فإن من المرجح انتهاء حياته السياسية· فقد أجمعت الغالبية الساحقة من التحليلات في إسرائيل على أن رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون قد غاب، أو على وشك الغياب، عن الساحة السياسية في إسرائيل بعد تعرضه لنزيف حاد في الدماغ في ساعة متأخرة من مساء الأربعاء 4-1-·2006 وتشير توقعات المحللين إلى أن غياب شارون سيؤدي بالضرورة إلى خلط الأوراق في الساحة السياسية الإسرائيلية الداخلية وفي المنطقة برمتها، وخصوصا فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي/ الفلسطيني· فإسرائيل والفلسطينيون والشرق الأوسط وعملية السلام برمتها يقفون أمام إمكانيات لتغييرات كبرى في الوضع السياسي· وبالرغم من تاريخه الدموي ضد الفلسطينيين بصورة خاصة والعرب بصورة عامة إلا أن شارون كان في مركز الحياة السياسية الإسرائيلية منذ قيام الدولة العبرية· فهو من القلائل الذين خاضوا جميع الحروب العدوانية التي قامت بها الدولة وشارك ونفذ وخطط لعمليات إرهابية كبرى ضد الفلسطينيين الآمنين سواء قبل تأسيس الدولة أو بعدها· فقد كان شارون شخصية مثيرة للجدل إسرائيلياً طوال حياته العسكرية والسياسية واضطر للاستقالة من الحكومة بعد أن أدانته إحدى لجان التحقيق بمسؤوليته غير المباشرة عن مذابح صبرا وشاتيلا في بيروت عام ·1982 ولكنه إلى ما قبل مرضه، كان الزعيم الإسرائيلي الوحيد الذي يملك خطة قد تؤدي إلى إحراز ''تسوية'' بين الفلسطينيين والإسرائيليين· وكان قد قام مؤخراً بفرض خطته على الفلسطينيين وعلى شرائح مهمة في المجتمع السياسي الإسرائيلي لفك الارتباط من جانب واحد مع قطاع غزة·
أصر شارون دائما على رؤيته لما يعتقد أنه الأفضل لإسرائيل· وكان يرى مهمته في بناء ''مستوطنات''/ مستعمرات كبيرة في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، كما كان من أشد المدافعين عن ''المستوطنات'' لاعتبارات استراتيجية وليس لاعتبارات دينية أساساً· لكن مع طغيان ''الخطر الديموغرافي'' الفلسطيني وتراجع قدرات الحسم العسكري اضطرت إسرائيل للتخلي عن بعض المناطق الفلسطينية الواقعة تحت سيطرتها للإبقاء على الطابع اليهودي للدولة العبرية، وهي النتيجة نفسها التي توصل إليها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين· وشكلت هذه الخطوط العريضة التي ميزت سياسة شارون كرئيس للوزراء والتي بموجبها سحب القوات الإسرائيلية وأخلى مستعمرات قطاع غزة مع نيته إخلاء بعض ''المستوطنات'' الإضافية من الضفة الغربية· وجاء التدهور الفجائي في صحة شارون في فترة تشهد فيها إسرائيل زلزالاً سياسياً غير مسبوق· وكتب المراسل السياسي لصحيفة ''هآرتس'' الإسرائيلية ''آلوف بن'' مقالا تحت عنوان: ''نهاية عصر شارون'' قال فيه إنه ''حتى لو تعافى شارون فإنه سيواجه صعوبة كبيرة في إقناع الجمهور بقدرته على تولي منصبه أربع سنوات أخرى''·
ويأتي غياب شارون في وقت كان فيه الرجل ''يؤدي عرضاً انفرادياً'' بحسب تعبير ''آلوف بن'' من ناحية أن فرص وصوله وحده دون غيره إلى كرسي رئاسة الحكومة كانت الأقوى· فبعد انشقاقه عن ''الليكود'' وإقامة حزب ''كاديما''، استقطب شارون أعداداً وافرة من الشخصيات السياسية من أحزاب أخرى مثل ''العمل'' و''الليكود''· وتشير استطلاعات الرأي إلى أن الحزب سيحصل، بالحد الأدنى، على (30%) من أصوات الناخبين أي حوالي (38-40) مقعداً في الكنيست الذي يتألف من (120) مقعدا· وكان تأسيس حزب ''كاديما'' سببا في إضعاف معظم الأحزاب الإسرائيلية الأخرى وتراجع شعبيتها·
ومع احتمال غياب شارون عن الساحة السياسية في أوج المعركة الانتخابية العامة في إسرائيل، تشير التوقعات إلى بدء صراعات في حزبه الجديد ''كاديما'' الذي لا يتعدى عمره الشهرين، ويفتقر إلى المؤسسات الحزبية وحتى إلى آلية انتخاب وريث· والواضح الآن أن غيبوبة شارون ستدخل إسرائيل في مرحلة جديدة، مرحلة الغيبوبة السياسية، ما بعد الانفصال عن غزة· وبالمقابل، ليس من الواضح من هو المستفيد من غياب شارون سياسيا، هل هو اليمين الإسرائيلي المتطرف بزعامة بنيامين نتنياهو أم ''اليسار'' الإسرائيلي بزعامة عمير بيريتس· ويبقى السؤال الرئيسي حول قدرة حزب ''كاديما'' على حمل إرث مشروع شارون وتسويقه في الشارع الإسرائيلي أو على الأصح حول قدرة أقطاب حزب ''كاديما'' الاتفاق فيما بينهم والذهاب إلى الانتخابات معا· فهل سيستفيد نتنياهو زعيم ''الليكود'' الانتهازي من غيبوبة الجنرال شارون الصحية والسياسية مثلما استفاد من اغتيال الجنرال إسحاق رابين في عام 1996؟ وتشير التوقعات إلى أن قوة حزب ''كاديما'' بعد شارون ستتراجع وتتوزع بعض مقاعد هذا الحزب بالأساس على حزبيّ ''الليكود'' و''العمل''، ما يعني إمكانية نشوء وضع تكون فيه نسبة هذه الأحزاب الثلاثة متساوية القوة تقريباً· مع انعكاس ذلك على الساحة السياسية في المنطقة وخصوصاً ما يتعلق بمستقبل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني·
لقد كان واضحاً للفلسطينيين حدود مخططات شارون ونيته التوجه إلى عملية سياسية وفقاً لـ''خريطة الطريق''، أو إلى انسحا