عندما استقال أرييل شارون من حزب ''الليكود'' اليميني، أعلن أنه لم يعد يستطيع العمل من أجل التسوية مع الفلسطينيين من داخل ''الليكود''· من هنا أصبح ''الليكود'' ممثلاً على نحو صريح لمدرسة الاستحلال الكامل لنهب الأرض الفلسطينية تحت شعار ''أرض إسرائيل الكبرى''· مع إنشاء شارون لحزبه الجديد ''كاديما'' صنفه المراقبون كنقطة وسط في الساحة الإسرائيلية بين حزبي ''العمل'' والليكود'' اليميني فيما يتصل برؤيته لتسوية القضية الفلسطينية·
مع اقتراب موعد الانتخابات المبكرة المقررة في الثامن والعشرين من مارس القادم، كشف النقاب عن الصياغة شبه النهائية لموقفي حزب ''كاديما'' و''العمل'' من الضفة الغربية المحتلة، ومن كتل الاستيطان التي زرعت في أرجائها بالمخالفة الصريحة للقانون الدولي الذي يحظر على قوات الاحتلال إجراء أي تغييرات سكانية أو جغرافية في الإقليم الخاضع للاحتلال· الفارق بين حزب ''كاديما'' الذي يتصدر المنافسة من خلال نتائج الاستطلاعات التي تمنحه في المتوسط أربعين مقعداً في الكنيست، وبين ''العمل'' الذي يليه في الترتيب والذي يحصل في الاستطلاعات على متوسط مقاعد يصل إلى عشرين مقعداً··· هو فارق يمكن إيجازه بالفارق بين كلمتي الاستحلال والاستئجار·
ذلك أن حزب ''كاديما'' يطرح هدفه للتسوية النهائية بشأن الضفة مشترطا أن تؤدي المفاوضات النهائية إلى ضم الكتل الاستيطانية الكبرى إلى إسرائيل، من خلال الرضا الفلسطيني، في حين أن ''العمل'' يحاول إيجاد صيغة الاستئجار للمناطق التي تحتلها هذه الكتل من الدولة الفلسطينية المقبلة··· ويتخذ من الاتفاق بين بريطانيا والصين، والذي سمح للأولى باستئجار هونج كونج مدة تسعة وتسعين سنة نموذجاً· وهو نموذج يجمع بين استخدام القوة المحتلة للأرض من ناحية ويسمح للدولة صاحبة الأرض باستردادها قبل انقضاء قرن كامل بعام واحد من ناحية ثانية·
وإذا كان الفارق بين الاستحلال والاستئجار لا ينفي أن كلاهما ينطلق من إملاءات الأمر الواقع المتمثلة في الاحتلال العسكري، فإن هناك فروقاً أخرى بين منهج الحزبين الأكبر فيما يتعلق بالوصول إلى التسوية النهائية· ولعل أهم هذه الفروق يتمثل في التزام حزب ''كاديما'' بالتحرك على مراحل في حين يطرح حزب ''العمل'' فكرة التحرك صوب التسوية النهائية متجاوزاً سياسة المراحل التي أثبتت من وجهة نظره الإضرار بالأمن الإسرائيلي حسب تعبير عامير بيريتس زعيم الحزب الذي اعتبر الدولة الفلسطينية المشروطة حلاً خاطئاً يؤدي إلى تواصل المواجهات وأعمال العنف· من هنا يرى بعض المراقبين أن الصياغة النهائية لبرنامج ''العمل'' ستتضمن عند الإعلان عنها جدولاً زمنياً لمفاوضات التسوية النهائية مع الفلسطينيين· وهذا موقف مختلف عما يطرحه حزب ''كاديما'' الذي لا يضع أي جداول زمنية لسياسة التسوية على مراحل، بل يربط الانتقال من مرحلة إلى أخرى بالرضا الإسرائيلي عن توافر شروط موضوعية في السلوك الفلسطيني· إن برنامج ''كاديما'' يحدد مراحل ثلاثاً استناداً إلى ''خريطة الطريق'' على النحو التالي:
المرحلة الأولى: وتقوم فيها إسرائيل بإزالة نقاط الاستيطان غير القانونية، والتي أقيمت دون ترخيص من الحكومة مقابل قيام السلطة الفلسطينية بتفكيك البنية الأساسية للتنظيمات المسلحة وضمان الهدوء·
المرحلة الثانية: ويتم الانتقال إليها طبقاً للرضا الإسرائيلي عن السلوك الفلسطيني دون تحديد زمن، وفيها تقام دولة فلسطينية على حدود مؤقتة بشروط تضمن توقف الأعمال المسلحة واستمرار هذا التوقف بناء على موقف فلسطيني يرتضي العيش في علاقات سلام وجيرة حسنة مع إسرائيل·
المرحلة الثالثة: وهي مرحلة وضع الحدود النهائية بين الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية من خلال المفاوضات· وهنا يضع حزب ''كاديما'' النهايات قبل المفاوضات أو الوصول إليها، حيث يطالب بأن تضمن إسرائيل من خلال هذه المفاوضات ضم الكتل الاستيطانية الكبرى، وهو شرط لا يترك للدولة الفلسطينية سوى مساحة تتراوح بين أربعين وخمسين في المئة من الضفة عن طريق الإملاء والاستحلال· إن الفارق بين موقف الاستحلال والاستئجار الذي يطرحه الحزبان، لا يطمس وحدة الرؤية بين الموقفين في استخدام إملاءات الاحتلال مقدماً على المفاوضات، وهو ما يجعل المفاوضات مجرد وسيلة لتوقيع صك قبول من الجانب الفلسطيني سواء كانت استئجاراً أم استحلالاً·