حالة الاضطراب الشديد في التعامل مع واحدة من أخطر المشاكل الصحية المعاصرة تعكس واقعا عالميا مؤلما يتسم بقدر هائل من اللامبالاة والعجز عن التوحد ولو نظريا لإظهار القدرة والرغبة في تعاون حقيقي لحماية البشر من خطر داهم·
التجارب أثبتت أنه في معظم المواقف الصعبة ينقسم البشر إلى قسمين، نخبة مسيطرة وحاكمة ومتحكمة ومالكة للحقيقة أو تعتقد ذلك، تُنظَّر وتستعرض القدرات وتعرض مظاهر القوة دون إدراك لحقيقة التحديات واتجاه التداعيات، وعامة يتجرعون نتائج ما لم تقترف أياديهم ويتحملون أوزار غيرهم·· وهو ما تجسده قضية مرض أنفلونزا الطيور بجلاء ووضوح· ففي المشهد نطالع ساسة وعلماء يؤكدون أن كل شيء تحت السيطرة وأن الإصابات البشرية التي تتزايد وتيرتها بشكل مخيف متوقعة ومنطقية ومقبولة وأن الوفيات في الحدود المسموحة·· ومنظمة صحية دولية تعاني من كل إعاقات المنظومة العالمية الحالية، تكتفي بالصراخ الذي لا تملك غيره محذرة من كارثة سيكون أصعب ما فيها هو العجز عن إحصاء أعداد الضحايا·· فيما الواقع والأخبار التي تصفه تضاعف مشاعر الفزع بين العامة وتحول حياتهم في الكثير من مناطق العالم إلى جحيم·
الأخبار تحدثنا عن تسجيل إصابات جديدة بالفيروس القاتل كل يوم في تركيا، وعن حالات الاشتباه التي تتضاعف كل يوم، دول الجوار تنتظر الأسوأ، في الصين تتوالى الإصابات وتتزايد الخسائر، أنباء عن اكتشاف إصابة بشرية ثامنة وسط الصين، في اليابان الأطباء يؤكدون اكتشاف عشرات الإصابات بفيروس من عائلة فيروسات أنفلونزا الطيور وإن كان ينتمي إلى فرع ضعيف نسبيا، وعالم ألماني يحذر من غزو الفيروس لبلاده خلال الفترة من فبراير إلى مايو المقبلين·· الأخبار تنقل لنا مخاوف إيطالية ومظاهر فزع ماليزية وفيتنامية وسنغافورية، ونظام عالمي غارق في سبات عميق وسؤال حائر: ماذا لو حدث التحور المخيف وأصبح الفيروس قادرا على الانتقال بين البشر، وهو احتمال مرجح جدا بشهادة معظم العلماء؟·· لا أحد يعرف، ولا أحد يملك الإجابة لأن أحدا لم يستعد ولأن الخلافات الجغرافية والاضطرابات الطائفية والصراعات الحضارية هي الأولى والأهم، حتى ولو كانت قائمة ضحايا أصغر وأضعف الكائنات على وجه الأرض يمكن أن تزيد على 150 مليونا من البشر· فهل يستمر هذا الصمت المريب؟·· سؤال يستحق عناء البحث عن إجابة·