في هذا الوقت الذي تخطط فيه إدارة بوش لسنة أخرى في العراق، عليها أن تفكر أيضا في التحديات بعيدة المدى التي ستواجهها في منطقة الخليج، ولاسيما الأثر الذي سيكون للهند والصين على المنطقة، نظرا لأن لديهما مصالح متزايدة في منطقة الشرق الأوسط ، كونهما القوتين الآسيويتين الصاعدتين· وإذا كان صحيحا أن الولايات المتحدة تربطها حاليا بالصين علاقات مرضية ومع الهند علاقات جيدة، إلا أنه سيكون من السابق لأوانه الحديث عن تعاون استراتيجي دائم بين الهند والولايات المتحدة، ولعل أهم أسباب ذلك يتمثل في أن للهند أجندات أخرى في آسيا تقتضي منها ربط علاقات جيدة مع الصين، والمحافظة على متانة علاقاتها مع روسيا، وربط علاقات اقتصادية متينة مع أهم منتجي مصادر الطاقة كإيران·
تاريخ الهند في الخليج تاريخ طويل، فعلى امتداد الفترة الممتدة من النصف الثاني تقريبا من القرن التاسع عشر إلى النصف الأول من القرن العشرين خضع الخليج للضباط البريطانيين المقيمين في بومباي، وشكل الجنود والعمال الهنود الجزء الأكبر من اليد العاملة التي حافظت على الحضور البريطاني في منطقة الخليج الخاضعة للاحتلال البريطاني أوقات السلم والحرب· ولعل أوضح مؤشر اليوم على استمرار حضور الهند في منطقة الخليج هو العامل الديمغرافي، حيث يعمل قرابة سبعة ملايين شخص من جنوب آسيا في دول مجلس التعاون الخليجي، نصفهم على الأقل من الهند· ويقدر المبلغ الذي يحوله الهنود المقيمون في الخليج إلى بلادهم بما لا يقل عن أربعة مليارات دولار سنوياً· وبالتالي، فإن أي اضطراب قد يحدث لهذه التحويلات ستترتب عليه آثار سلبية على الاقتصاد الداخلي، كما حدث أثناء حرب الخليج سنة 1991 عندما تم ترحيل مئات الآلاف من الهنود من الكويت والعراق· لقد أشار عجز الهند في ذلك الوقت عن ترحيل مواطنيها من الخليج بواسطة قوتها البحرية إلى نقص وضعف كبيرين لقدراتها البحرية، حيث اضطرت في الأخير إلى اللجوء لشركات طيران أجنبية من أجل نقل مواطنيها· بيد أنه ومنذ ذلك الوقت عملت الهند على النهوض باقتصادها، وقامت باختبار ونشر أسلحتها النووية، كما عززت قدراتها البحرية ووسعتها، ودخلت في تعاون استراتيجي جديد مع الولايات المتحدة· وعلاوة على ذلك، بدأت الحكومة الهندية الاستثمار بقوة في القطاع الطاقي لضمان استمرار وصول إمدادات مصادر الطاقة القادمة من الخليج، حيث فازت في مارس 2005 مثلا شركة هندية عمومية تعمل في مجال التنقيب عن النفط بصفقة تطوير حقل ''نجوت نجيم'' النفطي القطري·
واليوم باتت الهند تمتلك خامس أكبر قوة بحرية في العالم، يتوقع أن تصبح ثالث أكبر قوة بحلول ·2009 وقد دأبت في السنوات الأخيرة على تعزيز نشر قواتها البحرية في الخليج، كما أقامت علاقات دفاع مع بعض البلدان العربية· وبالإضافة إلى ذلك، تعزز التعاون البحري الأميركي الهندي الذي بات يشمل اليوم الجوانب التكتيكية والعملية، وقد تجلى ذلك بوضوح في تعاون القوتين البحريتين بشكل مثمر وفعال في عمليات الإنقاذ البحري في أعقاب تسونامي الذي ضرب آسيا سنة ·2005
من جهة أخرى، شهدت سياسة الصين تجاه الشرق الأوسط تغيرا ملحوظا خلال السنوات العشرين المنصرمة· فإذا لم تكن بكين حاضرة بقوة في المنطقة قبل منتصف عقد الثمانينيات، فإن ذلك تغير بعدما أضحت الصين بائعاً رئيسياً للسلاح لكل من إيران والعراق خلال الحرب التي دارت بينهما من 1980 إلى ،1988 وتعزز هذا الحضور أكثر بعد بيع الصين للسعودية صواريخ استراتيجية بعيدة المدى أواسط الثمانينيات·
وفي سنة 1993 أصبحت الصين مستورداً رئيسيا للنفط، ولاسيما النفط القادم من الشرق الأوسط، وفي سنة 2004 أصبحت الصين ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم، متجاوزة اليابان لأول مرة سنة ·2003
ونتيجة للنمو الاقتصادي المضطرد الذي تشهده الصين وحاجاتها المتزايدة لمصادر الطاقة، أضحت منطقة الخليج وآسيا الوسطى ومناطق أخرى من الشرق الأوسط تحظى بأهمية متزايدة في سياسة الصين الخارجية· من غير المستبعد أن تصبح الهند والصين خصمين من جديد نظرا لاشتباك مصالحهما في جنوب شرق آسيا وآسيا الوسطى والمحيط الهندي وشبه الجزيرة الهندية نفسها· وقد تصبح المعادلة الاستراتيجية الصاعدة أصعب وأكثر تعقيدا في ضوء إظهار اليابان، القوة الآسيوية الأخرى، مؤشرات إلى رغبتها في أن تصبح أكثر حضورا في المنطقة وفي تحدي الصين بخصوص قضايا أمنية رئيسية مثل مسألة تايوان·
الأكيد أن الطريقة التي ستدير بها الولايات المتحدة علاقاتها مع القوى الآسيوية الكبرى ستترتب عنها نتائج يتوقع أن تمتد آثارها لتشمل الخليج والشرق الأوسط الكبير ومستقبل الدور الذي تضطلع به واشنطن باعتبارها شرطي المنطقة·