إذا كنا في كافة أقطار العرب نرمق في فخر تجربة الوحدة والرباط الوثيق، كما تجسدها تجربة اتحاد الإمارات العربية في دولة موحدة منذ عام ،1971 وإذا كنا ننظر في احترام لزعماء عظام أسسوا هذه الوحدة ثم نهضوا بأرضها وشعبها، ونرى فيهم القدوة للعطاء بل ونعتبرهم شعاع عطاء متوهج لشعبهم وأمتهم العربية على اتساعها، فإنه من المتعين علينا في لحظة رحيل الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم، أن نستذكر عطاء جزيلاً قدمه الشيخ لتجربة دولة الإمارات العربية المتحدة جنباً إلى جنب مع مؤسس الدولة ورئيسها الراحل العظيم، المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان·
لقد أعطى الشيخ مكتوم تجربة البناء والتأسيس جهداً مخلصاً وعملاً دؤوباً بصفته أول رئيس وزراء للدولة في عام النشأة، وهو جهد مشهود استتبع تكليفه مرة ثانية بتشكيل ثاني وزارة لدولة الاتحاد في الثالث والعشرين من ديسمبر عام ،1973 ونتيجة لعطائه المتجدد في هذا المنصب وفي تسيير السلطة التنفيذية واصل دوره برئاسة التشكيل الثالث لمجلس الوزراء في يناير ·1979
إن هذا التكليف المتواصل يعني أن الشيخ مكتوم بن راشد قد استطاع أن يساهم مساهمة إيجابية كبرى في إرساء دعائم الدولة الاتحادية، وفي إطلاق قوى التطور والنهضة·
إن إحساسنا بعطاء الشيخ مكتوم وبقدرات رجل الدولة يتضاعف عندما نرى ما شهدته إمارة دبي من قفزات كبرى في اتجاه العمران والتصنيع والتحول إلى مركز رئيسي للجذب السياحي والتجاري منذ تولى منصب الحاكم فيها عام ·1990 وهي قفزات تحققت بفضل ما قام به من جهود للتخطيط وإطلاق المشروعات النوعية المتميزة جنباً إلى جنب مع أخيه الشيخ محمد بن راشد الذي كان ولياً للعهد قبل أن يخلــــف الشـــــيخ مكـــــتوم في منصب حاكــــم دبي من خلال عملية انتقال سلس وتلقائي للسلطة، وهو ما يعكس تقاليد الحكم المستقر·
إن العين لتدمع لرحيل الشيخ مكتوم بن راشد شعاع العطاء لأمته ولشعبه، ليس فقط في إمارة دبي فحسب بل في دولة الإمارات العربية المتحدة؛ فالرجال العظام الذين يعمرون الأرض ويتركون فيها صروحاً تنفع الناس تدمع لهم العيون في ربوع أمة العرب بكاملها·
وعندما يكون الراحل قدوة في الإخلاص، ونموذجاً للقادة العظام، فإن الخسارة فيه تصبح حدثاً جللاً· غير أن شعاع العطاء في حياة مثل هذا القائد لا ينطفئ مع الرحيل، بل يبقى في آثاره وأعماله ويبقى في نهجه ويبقى في خلفه ويبقى في قلوب الناس التي تدعو له بأن يتقبله ربه قبولاً حسناً·
وإذا كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، قد علمنا أن عمل ابن آدم ينقطع مع الرحيل للقاء الله إلا من ثلاث، صدقة جارية وعلم ينتفع به وولد صالح يدعو له·· فإن شعاع العطاء في حياة الراحل العظيم يحمل الثلاث بأوسع معانيها·
إن تجربة النهوض الاقتصادي بحياة جزء عزيز من أمة العرب والمسلمين وتعمير الأرض وتوليد فرص الحياة والرزق والعمل لملايين البشر، تقع في نطاق العمل الجاري الذي لا ينقطع، وإن تجربة إرساء المنهـــج الــــلازم لتحقيق النهضـــــة وبنـــــاء الوحــــدة تبقى تجــــربة عـــــلم ناجح ينتفع به لا ينقطع ويدفع الأبناء الصالحين للدعاء بل ويحـــــرك أبنـــــاء الأمــــة الذين أصابهم الخير بفضل الراحل العظيم لاستذكار الفضل لصاحبه والدعاء له كأبناء أوفياء·
إن قلوبنا في مصر اليوم مع شعب دولة الإمارات الشقيق وهو الشعب الذي عرفناه بزعمائه وأبنائه نموذجاً للأصالة العربية والاتصال الحميم بأشقائه في أحزانهم وأفراحهم، وعرفنا فيه القدرة على بناء نموذج الوحدة وإرساء قدوة النهضة واللحاق بركب التقدم الحضاري المعاصر·
عزاؤنا لزعماء هذا الشعب في الراحل العظيم وعزاؤنا لكل مواطنيه، واثقين أن شعاع العطاء·· الشيخ مكتوم·· سيبقى أثره في حياة أمتنا وإنْ رحل، تجسده لؤلؤة الجزيرة العربية إمارة دبي، وأواصر الوحدة الماثلة في حياة دولة الإمارات·