كنت أشاهد نشرة الأخبار على التلفاز عندما بثت المحطة نبأ وفاة المغفور له الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم في أستراليا، خلال زيارة خاصة كان يؤديها هناك·
وربما يعد الموت بمثابة الظاهرة الطبيعية الوحيدة التي لا يتلقاها أي منا على نحو طبيعي رغم كونها طبيعية··· فهي تصدمك وتحزنك مهما توقعتها! تفحصت ملياً صور دبي القديمة في صالة الفنون خلال موسم ندوة القرين في الكويت· مجموعة نادرة من الصور التي عرضت على الجمهور بمناسبة الاحتفاء بالشخصية الإماراتية المتميزة، جمعة الماجد، هذه الشخصية التي تبهرك بتواضعها وعطائها الوطني والثقافي·
أصبحت مدينة دبي، ولا غرابة، العاصمة الثانية لعموم دول مجلس التعاون الخليجي، وربما لبعض الدول العربية وإيران وباكستان والهند، وأقطار أخرى كثيرة أيضا·
ولد الشيخ مكتوم خلال الفترة التي تم التقاط تلك الصور فيها لمدينة دبي، قبل أكثر من نصف قرن··· الصور التي رأيناها معروضة في صالة الفنون، وفي كتب التاريخ الحديث والمعاصر لدولة الإمارات العربية المتحدة، حيث يلمس أي متابع مدى اتساع التحولات العمرانية التي شملت المدينة، فحولتها إلى حاضرة متميزة ومدينة عالمية يشار إليها بالبنان!
وضع الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم رحمه الله وشقيقه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وأهل دبي -تجارها ومستثمروها وكل سكانها- عصارة العمر والعطاء والعبقرية في هذه المدينة الفذة· وكلما تأمل الواحد منا خرائط دبي وصورها وأخبارها ومفاجآتها العمرانية تساءل: ما الخطوة القادمة؟
ومن الغريب حقاً أن المدن والدول العربية الزاخرة بالآثار والمغريات السياحية، تكاد تلهث في مجال المنافسة مع هذه المدينة السياحية الناشئة، والتي تقفز كل يوم بشكل مفاجئ في مجالات المنافسة··· على كل صعيد·
ترك المرحوم الشيخ مكتوم بن راشد بلده، دولة الإمارات العربية المتحدة، بلدا عربيا خليجيا متميزا يحظى بتقدير عميق من سائر جيرانه لحكامه ولشعبه المعطاء، وما تقدم من مساعدات سخية لكل الدول والشعوب· ورحل عن دبي، وقد عايش انطلاقتها يوماً بيوم، وعاماً بعام، وشاهد تلك الصور القديمة للمياه والرمال والخلجان تتبدل وتتحول، والدروب الترابية تتغير إلى شوارع، والبيوت الطينية إلى مبان شاهقة وأسواق·
هل هناك تقاسم أدوار بين دبي والكويت، الأولى في مجال الاقتصاد والمعمار والعقار، والثانية في مجال السياسة والسلطة التشريعية؟
ربما، ولكن الدول الخليجية الأخرى لها مجالاتها وميزاتها· وإذا كان لبعض دول الخليج السبق في مجال التحديث السياسي، فإن لبعضها الآخر، وفي طليعتها مدينة دبي، السبق في مجال التحديث الاقتصادي والريادة التجارية والسياحية·
إن دبي، مدينة وإمارة، جزء ذو مكانة خاصة من دولة الإمارات، وهي بالنسبة للكويتيين، ليســـــــــت مجـــرد مدينة أخرى أو مجموعة من الأسواق والطرقات الحديثة والمبـــــاني الشــــاهقة والفخمة·
فلقد عاش عشرات الآلاف منهم أحرج لحظات حياته عام 1990 في دولة الإمارات، بإماراتها المختلفة، من أبوظبي إلى رأس الخيمة، وأقام الكثيرون في دبي خلال شهور الغزو والتحرير، عندما أقدم قائد الغدر والعدوان على مغامرته التي أنزلت بكل دول المنطقة أفدح الأضرار·
وكانت دبي كذلك، على امتداد سنوات طويلة، قبل ظهور البترول الذي حول وجه المنطقة، أحد الموانئ البحرية المهمة التي بنى الكويتيون مع أهلها الكرام أوثق الصلات والروابط، وسافروا منها إلى بحار الهند وموانئ أفريقيا·
ومن هنا، فالحزن بوفاة المرحوم الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم، هو حزن كبير ومؤلم ومشترك بين أهل الكويت وشعب الإمارات كله· وإن كان لنا ولهم عزاء، فهو في هذه الإنجازات الشامخة والنجاحــــــات البارزة التي نراها في عموم دولة الإمارات، وفي مدينة دبي خاصة، حيث بذل الشيخ مكتوم وشقيقه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، ما بوسع الجهد والطاقة، لتطوير البلاد·
فعلى الفقيــــــد رحمـــــة اللــــــه، ولأهلـــه وشعب الإمـــــارات الشقيق الصبر والسلوان، و''إنا لله وإنا إليه راجعون''·