لازالت دولة الإمارات العربية المتحدة تعيش وقع صدمة فقــــــد الشيخ مكتوم بن راشد المباغت، إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع وإنا على فراق الراحل الكبير لمحزونون·
تعجز الكلمات حقيقة عن وصف غصة رحيل أبي السماحة والكرم· لقد تجددت الأحزان في الإمارات بفقد أبي سعيد بعد فقد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان، وتجددت ذكريات فقد باني دبي المغفور له الشيخ راشد بن سعيد· عام حزين بدأ بوفاة رجل نبيل من نسل كرام، فبعد خمسة عشر عاما من حكمه لإمارة دبي، أصبحت مدينة دبي تحت قيادته الرشيدة تزهو بين الإمارات شقيقاتها وبين مدن العالم، أصبحت مدينة دبي قبلة القلوب الطامحة والحالمة، دبي واحة الحرية والأمان، دبي اللبنة القوية في بناء اتحاد الإمارات·
فقدت الإمارات بفقدها لحاكم دبي شخصية قيادية فذة على المستوى السياسي وشخصية محبوبة اجتماعيا، عرف بين أبناء الإمارات بكرمه وطيبته، فلم يكن فقط حاكما لإمارة دبي بل كان نعم الأب والأخ لكل فرد على هذه الأرض الطيبة· غياب مفاجئ ، وبعد صدمة الرحيل وصدمة الفراق المباغت، تستدعي الضرورة وقفة سياسية هادئة وقفة لاستشراف مرحلة سياسية جديدة بدأت بالتبلور، الرؤية السياسية آخذة بالتشكل مع تسارع القرارات، واستشعار الآتي سياسيا يتطلب النظر إلى المواد الدستورية المحددة للعلاقات والمنظمة للمناصب والآليات السياسية التي تحكم العلاقات وتحدد المناصب، ثم تحليل التغييرات السياسية المرتقبة وتأثيرها على المسيرة الاتحادية وعلى إمارة دبي على وجه الخصوص·
بداية يؤرخ التاريخ لأول ظهور سياسي للشيخ مكتوم في الرابع من أكتوبر عام 1958 عندما ألقى كلمة موجهة إلى أبناء دبي احتفالا بتولي والده الشيخ راشد سدة الحكم، فكان الساعد الأيمن للشيخ راشد، تشكلت شخصيته مع تأسيس البنى الأساسية لإمارة دبي، وشهد الاتفاقات التمهيدية لإنشاء الدولة الاتحادية ووضعت بحضوره اللبنة الأولى لدولة الإمارات العربية المتحدة التي تأسست في الثاني من ديسمبر من عام ·1971
لقد عاصر المغفور له بناء الاتحاد وأسندت إليه مهمة إنشاء أول مجلس وزراء للدولة الاتحادية· وهكذا، فإنه ترأس أول اجتماع لمجلس وزراء الإمارات الذي عقد في الثاني من إبريل ·1972 لقد شغل الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم منصب رئيس وزراء دولة الإمارات العربية المتحدة منذ تأسيس الدولة الاتحادية عام 1971 حتى عام ،1979 عندما تنازل عن المنصب لصالح والده الشيخ راشد بن سعيد، ثم تسلم من جديد رئاسة الوزراء بعد وفاة الشيخ راشد عام 1990 المنصب الذي احتفظ به حتى وفاته يوم الأربعاء الماضي·
لقد تولى الشيخ مكتوم قيادة الحكومة الاتحادية في مراحل البدايات الصعبة للدولة وعبر بها أزمات ومصاعب سياسية محلية وإقليمية فشهد عهده بناء المؤسسات الاتحادية وترسيخها· مرحلة سياسية جديدة بدأت تتشكل ملامحها برحيل الشيخ مكتوم بن راشد وستشهد الدولة تغييرات سياسية ستدعم المسيرة الاتحادية، في مرحلة سياسية جديدة ستشهدها الإمارات، فبعد أكثر من عام على غياب المغفور له الشيخ زايد واستمرار المسيرة الاتحادية تحت قيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ''حفظه الله''، تحول آخر في مسيرة الدولة الاتحادية وإمارة دبي·
فعلى المستوى الاتحادي، رسم الدستور الاتحادي شكل الاتحاد وحدد المناصب الاتحادية وآلية شغلها والآليات المتبعة حال خلوها فالمادة (53) من الدستور تنص على أن ''عند خلو منصب الرئيس أو نائبه بالوفاة أو الاستقالة أو انتهاء حكم أي منهما في إمارته لسبب من الأسباب، يدعى المجلس الأعلى خلال شهر من ذلك التاريخ للاجتماع، لانتخاب خلف لشغل المنصب الشاغر''، أما المادة (64) فتحدد الطبيعة السياسية لمجلس الوزراء إذ أن ''رئيس مجلس الوزراء والوزراء مسؤولون سياسيا بالتضامن أمام رئيس الاتحاد والمجلس الأعلى للاتحاد عن تنفيذ السياسة العامة للاتحاد في الداخل والخارج· وكل منهم مسؤول شخصيا أمام رئيس الاتحاد والمجلس الأعلى عن أعمال وزارته أو منصبه·
تؤدي استقالة رئيس مجلس الوزراء، أو إعفاؤه من منصبه، أو وفاته، أو خلو منصبه لأي سبب من الأسباب إلى استقالة الوزارة بكاملها· ولرئيس الاتحاد أن يطلب إلى الوزراء البقاء في مناصبهم مؤقتا، لتصريف العاجل من الأمور إلى حين تشكيل الوزارة الجديدة''، وقد أصدر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة القرار رقم 1 للعام 2006 والذي ينص على بقاء الوزراء في مناصبهم بشكل مؤقت لحين تشكيل الوزارة الجديدة·
ولملء الفراغ السياسي الناجم عن الوفاة وبناء على المادة (53) المشار إليها فقد بادر أعضاء المجلس الأعلى للاجتماع وتم تنصيب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي نائبا لرئيس الدولة ووافقوا على اقتراح رئيس الإمارات بتعيينه رئيسا للوزراء وتكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة·
مرحلة سياسية جديدة ستشهدها دولة الإمارات على مستوى السلطة التنفيذية وعلى مستوى رئاسة الوزراء فوجود شخصية قوية وديناميكية كالشيخ محمد بن راشد رئيس