يوم حزين آخر يغلف سماء الوطن· فارس آخر من فرسان الإمارات يترجّل ويودعنا بصمت وهدوء، ولا نملك سوى دمعة حزينة وأنين في النفس، للتعبير عما يجيش في أفئدتنا من حزن، لعل في ذلك ما يواسي مصابنا الجلل بفقدان المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم، الذي رحل عن هذه الدنيا بالأمس·
إن الرجال الأشداء الذين أسسوا وبنوا هذه الدولة وأقاموا دعائمها بسواعدهم وسهرهم وتعبهم وجهودهم، يصعب تكرارهم في التاريخ· إن الشيخ مكتوم ''رحمه الله'' ، انطلاقا من هذا المقياس، هو أحد الرجال والمسؤولين الذين بهم قامت الدولة ووقفت شامخة وانطلقت في بحر هائج ومتلاطم الأمواج، متحدية الصعاب، بفضل الرجال الذين اتفق الجميع على أنهم المؤسسون الذين سيذكرهم التاريخ إن طال أو قصر·
لقد كان الفقيد أحد الفرسان الذين رافقوا القادة المؤسسين في حلهم وترحالهم، فكان عوناً وسنداً لهم في وضع اللبنات الأولى لبناء صرح هذا الوطن الغالي· ومن نعم الله علينا أن يكون حول قادتنا رجال من طراز الشيخ مكتوم ''رحمه الله''، الذي ساهم في كل صغيرة وكبيرة لإتمام مسيرة الخير والبناء والتنمية، فكان خير سند للوطن ولأبنائه·
إن في حياة الشعوب والأمم رجالا تركوا بصمات واضحة المعالم فوق صفحات أوطانهم، وبذلوا الغالي والنفيس في سبيل رفعة شأن أوطانهم· وفقيدنا الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم ''رحمه الله وأسكنه فسيح جناته''، هو من هذا الطراز، من الرجال الذين سيذكرهم التاريخ مهما طال الأمد· رجل عاش في فترة كانت الدولة فيها صحراء مترامية الأطراف، وإمارات صغيرة لا حول لها ولا قوة ولا شأن يذكر، وقبائل تصارع شظف العيش وقسوة حياة البداوة· وكانت إمارة دبي جزءا من هذه التركيبة الصحراوية القاسية· ثم عايش فقيدنا مرحلة هي من أهم وأخطر المراحل التي شكلت منعطفا تاريخيا في بناء أسس الدولة، مساهما مع والده المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ راشد بن سعيد، ومع إخوانه وأشقائه ورفاق دربه من رجال الدولة وشيوخها الكرام الذين حملوا فوق أكتافهم مسؤولية بناء هذه الدولة·
نحن جيل كبرنا وترعرعنا وتشربنا من المبادئ التي أرسى دعائمها المؤسسون· ولقد كان الشيخ مكتوم ''رحمة الله عليه''، واحداً من الذين كبروا وتعلموا في مدرسة المؤسسين الراحلين، المغفور لهما بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم ''طيب الله ثراهما''· ولم يكن غريباً أن يكمل الأبناء ما بدأه الآباء والقادة والزعماء، فكانت رحلة البناء السحرية التي أكملها المغفور له الشيخ مكتوم بن راشد مع إخوانه أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد، حتى أصبحت دولة الإمارات بفضل وجودهم وجهودهم وحرصهم الدائم على الوطن والمواطن، مضربا للأمثال ومثلا يحتذى بها في كل مناسبة ومحفل·
نجم آخر يختفي من سماء الوطن الإماراتي، والحزن يغلف الوجوه والقلوب بفقدانه· ابن بار من أبناء الإمارات يرحل بعد مسيرة طويلة من العطاء والبذل· فقد شهدت إمارة دبي خلال سنوات عهده الميمون، تطوراً مذهلاً وتقدماً في شتى المجالات، وتحولت إلى نمر اقتصادي، يُشار لها بالبنان، وقبلة للمستثمرين ورجال المال والأعمال· فكان هذا التحول إضافة أخرى إلى السجل الحافل لأعمال الفقيد في رحلة بناء الإمارة التي بدأها مع والده المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم·
إنه يوم حزين، تنفطر فيه القلوب حزناً وألماً على فقيد الوطن الغالي، ولكنها إرادة الله عز وجل، ولا رادّ لحكم الله وقضائه· ولنا نحن أبناء الإمارات الصبر والسلوان على بلائه· فالموت حق لا مفر منه، وابن الوطن البار الراحل الشيخ مكتوم بن راشد، ندعو له بالرحمة والمغفرة· وعزاؤنا أنه رحل تاركاً دبي صرحاً عظيماً، ساهم في بنائه وتشييده بحكمة وصبر ومثابرة وإخلاص وحب لتراب الوطن·
رحل مكتوم، وعزاؤنا هذا الصرح الكبير وهذه الإمارة العظيمة التي بدأت صغيرة وصارت على كل لسان· إمارة دبي التي ساهم فقيد دبي في تشييدها· وعزاؤنا وجود أشقائه وأولياء الأمر من بعده من الرجال الذين تعاهدوا على إكمال مسيرة البناء والرقي من بعده·
رحم الله فقيد الوطن الكبيرالشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم، وطيب ثراه وأدخله فسيح جناته بإذنه تعالى·