فقدت الإمارات البارحة رائداً من رواد نهضتها المرحوم له، بإذن الله تعالى، الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي· وبرحيله المفاجئ يحزن القلب وتدمع الأعين دموعاً سخية لمن كان في حياته سخياً مع مواطني هذا البلد الغالي· وبرحيله يغيب عنا صاحب السجايا الكريمة والصفات الطيبة التي يعرفها كل من قابله وتأثر بها كل من تقاطعت دروب حياته بدروب الفقيد الكبير· فقد بادلناه ''رحمه الله'' حباً بحب ووفاء بوفاء وإخلاصاً بإخلاص·
صعقتنا الأخبار الحزينة، وتركت حرقة وألماً بالنفس، ولكنها مشيئته ''عز وجل'' وحكمته التي نرضى بها مهما كان مصابنا جللاً· ونحن اليوم نرثي فقيدنا الغالي الذي غادرنا وهو في قمة عطائه على المستويين الاتحادي والمحلي، ندرك كل الإدراك أنه، ومن واقع مسؤولياته العديدة، كان دائم الحرص على هذا الوطن الغالي وشعبه· واليوم ونحن نودع الشيخ مكتوم بن راشد ''طيب الله ثراه'' نذكره كراعٍ لهذه النهضة الخيرة الكبيرة، والتي نقلت إمارة دبي إلى العالمية ووطدت من أركان مسيرة ناجحة، كان قد أسس لها والدنا المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمة الله الواسعة عليه·
تولى الشيخ مكتوم بن راشد ''رحمه الله''، وهو الحاكم التاسع في أسرة آل مكتوم الكريمة، مسؤولية الحكم رسمياً في السابع من شهر أكتوبر عام ،1990 مع العلم بأن أعباء الحكم كانت تقع على كاهله وكاهل إخوانه منذ بداية الثمانينيات وبعد مرض الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم ''رحمه الله''·
وفي عهده الميمون وتحت إشرافه وإشراف إخوانه الكرام، تحولت دبي إلى حاضرةٍ عربية من الطراز الأول، وبلغ الطموح أقصاه، فتعددت الأرقام التي كانت شواهد على الأرض· أرقام تتحدث عن الأكبر والأفضل والأنجح في مسيرة خيرة رعاها الشيخ مكتوم بن راشد ''طيّب الله ثراه''، وتستمر بقيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي، أطال الله في عمره وأعطاه الصحة والهمة·
وفي هذه الرحلة السحرية، رأينا مدينتنا وهي تتصدر مدن المنطقة نشاطاً وحيوية وطموحاً، فنفخر بها كما نفخر بالفقيد والذي يغيب عنا بعد حياة عامة طويلة كانت بداياتها في الرابع من شهر أكتوبر ،1958 ومن خلال حضوره العلني الأول، سيرة حافلة تميزت بالعطاء لهذا البلد· فكان ''رحمه الله'' دائم الحضور، فاعلاً، في مرحلة تأسيس الاتحاد والتي امتدت من 1968-،1971 وساهم مع إخوانه ورفاقه في دعم مسيرة الإمارات ومن خلال مواقع متعددة· ورأينا هذا العود اليانع يتحول إلى شجرة صلبة ضاربة بجذورها القوية مظللة ما حولها ومن حولها بالاستقرار والرخاء والسعادة· شارك في البناء وشارك في التخطيط، وشارك في الإدارة ووضع مع الرواد الأوائل صرح الاتحاد لبنة لبنة، مستلهماً قيادة والدنا الكبير الذي فقدناه المرحوم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ''طيّب الله ثراه''·
وتولى الشيخ مكتوم بن راشد أعلى المناصب الاتحادية فكان نائباً لرئيس الدولة منذ عام 1990 ورئيساً لمجلس الوزراء لثلاثة وعشرين عاماً من المسيرة الاتحادية، فشكل الوزارة الأولى في السنوات الأولى لدولة الإمارات ولعب دوراً محورياً في سجل سلطتنا التنفيذية· ومثل المرحوم الإمارات في العديد من القمم والاجتماعات المهمة، فكان خير رجل لخير وطن· حمل المغفور له التفاؤل من خلال ابتسامته الدائمة وأدبه الجم وأخلاقه الحميدة، فنقل من خلال صفاته السمحة والمحببة الصورة التي نعرفها عن وطننا، صورة الخير وصورة التسامح وصورة الطموح· وفوق هذا وذاك تميز الشيخ مكتوم بن راشد ''رحمة الله عليه'' بإنسانية شفافة وتواضع جم· ولعل الروايات العديدة عن أخلاقه الرفيعة وأبعادها الإنسانية العميقة تبقى شاهداً لحياة أمضاها في عمل الخير والخدمة العامة· فهو السخيُّ دائماً وأبداً، وارتبط السخاء باسمه ارتباطاً عضوياً، فهو الذي لا يردُّ المحتاج ويتعاطف مع الضعيف وهذا الكرم طبيعة متأصلة في شخصيته ولعلها الكلمة الأولى التي ترد في وصفه· كما كان ''رحمه الله'' شديد التواضع مع الكبير والصغير والغني والفقير، فكسب حب الناس وأسر قلوبهم· من هنا جاء فقدانه مصاباً شخصياً قبل أن يكون مصاباً رسمياً ولا نستغرب اليوم هول صدمة رحيله لندرك أننا فقدنا الشيخ مكتوم الإنسان والحاكم والقائد·
في هذه المسيرة الخيرة والتي هي التاريخ السياسي والتنموي لدولة الإمارات العربية المتحدة، نرى أمامنا جيل الرواد وقد اختارهم الله ''سبحانه وتعالى'' إلى جواره· وعزاؤنا أن من تولوا المسؤولية في مراحل التأسيس الأولى كانوا رجالاً وطنيين مخلصين، قدموا المصلحة العامة الواسعة على المصالح الضيقة واستطاعوا أن يؤسسوا أرضية صلبة للكيان الاتحادي، فأصبح الطريق أوضح وتراكمت الانجازات ليبني عليها جيلنا والجيل القادم·
وعزاؤنا حقائق تتجاوز الشعارات السياسية، ألا وهي أن نبع الرجال المخلصين في الإمارات معين لا ينضب، فالمسيرة مستمرة تحت قيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة وصاحب السمو الشيخ محمد بن ر