لم تكن ليلة الأربعاء الماضية مختلفة عن بقيتها من الليالي، لم أكن لأتوقع أن استيقظ على خبر مفجع ومحزن، كالذي سمعته بمجرد أن تلقيت أول اتصال صباح يوم أمس ليقول لي المتصل إن الشيخ مكتوم قد انتقل إلى رحمة الله· كان من الصعب أن استوعب هذا الخبر، إلا بعد أن أعاده علي مرة أخرى· ولكن هذا هو قضاء الله وقدره·
كم هو خبر مفجع ومؤسف أن نفقد بشكل مفاجئ رجلاً وحدوياً آخر بعد عام فقط من فقداننا لمؤسس الاتحاد والإمارات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ''رحمه الله'' في نوفمبر ،2004 والذي كان الشيخ مكتوم ''رحمه الله'' أحد أهم المنفذين لتوجيهات الشيخ زايد والشيخ راشد ''رحمهما الله'' وهما يعملان على تحقيق حلم الاتحاد بين الإمارات السبع·
ولم يكن قيام دولة الاتحاد بالنسبة للشيخ مكتوم ''رحمه الله'' مجرد حلم، بل كان هدفاً رئيسياً، وكان بالنسبة إليه مسؤولية كبيرة تحملها ''رحمه الله'' مع حكام الإمارات السبع- على الرغم من حداثة سنه في ذلك الوقت- حيث تم تعيينه أول رئيس للوزراء بعد قيام دولة الاتحاد· كما أن الشيخ مكتوم ''رحمه الله'' كان موجوداً دائماً في كل نجاحات وأزمات دولة الاتحاد وكان دائما صوت العقل والهدوء والمرونة في كل الأحداث مما جعله شخصية محبوبة لدى الجميع ومقربة من الجميع سواء كبارا أو صغاراً مواطنين أو مسؤولين·
لم يكن الشيخ مكتوم ''رحمه الله'' يرفض مسؤولية توكل إليه، فقد كان مستعداً دائماً لأن يشارك الجميع في تحمل المسؤولية والمشاركة في اتخاذ القرار، وكان قريباً جداً من الواقع، كما كان قريباً من القيادة منذ البداية· وتمتع ''رحمه الله'' ببعد النظر الذي ورثه عن والده الشيخ راشد بن سعيد ''رحمه الله''، وذلك عندما قال في إحدى المناسبات: ''من أبرز الأهداف المصيرية هو إيجاد مصادر دخل بديلة عن البترول تتمثل في البتروكيماويات وخلق قاعدة صناعية ومحاولة الاكتفاء الذاتي لبعض المنتجات، ولا اعتقد أن هناك عقبات كبيرة تحول دون الوصول إلى تحقيق هذه الأهداف''· وهذا ما تم فعلا ليس في دبي وحدها بل في جميع الإمارات، فصارت الدولة، ومنذ سنوات تحاول التقليل من اعتمادها على النفط والدخول في مجالات أخرى كالسياحة والتجارة والعقار بالإضافة إلى سوق الأسهم والمال·
وفي دبي واصل الشيخ مكتوم ما بدأه والده الشيخ راشد بن سعيد ''رحمهما الله''- الذي تولى الحكم في دبي في العام ،1958 خلفا للشيخ سعيد آل مكتوم- فبعد وفاة الشيخ راشد في العام 1990 مباشرة بدأ الشيخ مكتوم العمل من أجل استكمال المسيرة التي بدأها والده، والذي كان هو ''رحمه الله'' شريكاً رئيسياً فيه وشاهدا حقيقياً عليه· وبعد توليه الحكم بخمس سنوات أعطى الثقة لأخيه الشيخ محمد بن راشد ليكون ولياً للعهد في العام ،1995 فكان هذا التاريخ بداية مرحلة جديدة في تاريخ دبي· واليوم، وبعد أن أدى الشيخ مكتوم ''رحمه الله'' ما عليه من أجل هذا الوطن، رحل بهدوء ليتولى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم زمام الأمور في دبي، وليكون قائداً لسفينة دبي بعد الشيخ مكتوم وليبدأ مرحلة جديدة ليس في دبي فقط، بل وفي الإمارات بأسرها، فرجل كالشيخ محمد بن راشد ننتظر منه الكثير·
كان الشيخ مكتوم متواجداً دائماً في الأوقات المهمة بشكل واضح وقوي· كما أنه ترك دبي وهي في أوج تألقها ونجاحها وتقدمها، وبعد أن صارت واحدة من مدن العالم التي يشار إليها بالبنان·
لقد كان الشيخ مكتوم بن راشد ''رحمه الله'' شخصاً مرناً دمث الخلق هادئاً في طباعه بسيطاً مع من حوله يشعر بذلك كل من تعامل معه وكل من اقترب من سموه··· وأحد أسرار نجاح دبي هو ما كان يتميز به الشيخ مكتوم ''رحمه الله'' من مرونة، فعلى الرغم من أنه كان حاكماً لدبي إلا أنه قام بتوزيع المهام والأدوار بينه وبينه أخويه الشيخ حمدان بن راشد والشيخ محمد بن راشد وبدأ الجميع بالعمل من أجل دبي ومن أجل أبناء دبي حتى وصلت هذه الإمارة الرائعة إلى ما وصلت إليه اليوم··· وكان من الطبيعي أن يحبه الجميع سواء كانوا مواطنين أو مقيمين، فهو رجل أعطى الكثير وقدم أجمل سنوات حياته لخدمة اتحاد دولة الإمارات، وأكمل باقي أيامه في العمل مع إخوته في بناء دبي الجديدة التي نراها اليوم والتي بتوجيهاته ''رحمه الله'' وبمتابعة دقيقة ويومية ومباشرة من الشيخ محمد بن راشد صرنا نرى دبي بثوبها الحالي وبتألقها الرائع·
بلا شك أننا نفتقد اليوم هؤلاء الرجال الذين تعلمنا منهم حب الأرض وغرسوا فينا معاني الولاء للوطن وأكدوا دائما على قيمة الاتحاد وشددوا على ضرورة المحافظة عليه· وكل عزائنا في فقدانهم هو أن من يخلفهم يسير على دربهم· فبالأمس خلف صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ''حفظه الله'' والده ووالد الجميع الشيخ زايد ''رحمه الله'' فكان خير خلف لخير سلف، وخلال عام من توليه مقاليد الحكم في الإمارات، قام سموه بكل ما من شانه أن يقوي دعائم الاتحاد بين الإمارات وكل ما يساهم في تنمية وازدهار الإمارات··· وكذلك سيكون صاحب السمو الشيخ مح