بين الرفض والاختطاف!
لم يكن جدل العلاقة بين الأنا والآخر بعيدا عن مناخاتنا الفكرية والثقافية منذ مطلع القرن الماضي وحتى الآن، بل كان ولا يزال ذلك الجدل، وما اشتمل عليه من رؤى ومواقف أيديولوجية، هو النواة ''الصلبة'' لمجمل نتاجات الحقبة المذكورة وتياراتها الفكرية والسياسية على اختلاف اتجاهاتها! وفي مزاحمة شرسة لغيره من التيارات الأخرى، أخذ تيار الرفض لكل ما هو غربي، أو بالأحرى لكل ما هو حداثي تحديدا، مكانه الفسيح على تلك الخريطة ذات التنوع الفسيفسائي الهش! وهكذا أصبحت فكرة المقابلة أو التضاد المطلق بين الذات العربية- الإسلامية وبين الغرب من حيث هو حضارة وخيار ثقافي وعلمي وتكنولوجي متطور، فكرة مهيمنة على الذهن العربي في أغلب تجلياته· ومن مخزن التشبث بالماضي ورفض لكل جديد، جاءت أفكار ''الإسلام السياسي'' لتعمق التناقض وتجذره بين الأنا والآخر، بين الهوية والعالمية، بين التراث والمعاصرة، وبين الداخل والخارج··· مما كانت له نتائج كارثية هزت الأمن والاستقرار العامين في أغلب الدول العربية·
وبينما أدى ذلك المسار الأيديولوجي والسياسي، والمنبني في أساسه على فكرة نبذ الآخر، إلى تشويه صورة العربي في شتى أنحاء العالم، جاءت موضة التعرض بالاختطاف لرعايا الدول الغربية في عدد من البلاد العربية لتضيف عنصرا آخر إلى تلك الصورة الشائهة، مما يجعل الإنسان العربي، في مخيلة العالم، كائنا أقرب ما يكون إلى فصيلة الوحوش الضارية!
أقول ذلك ونحن نتابع هذه الأيام فصول مأساة اختطاف مواطنين أوروبيين في اليمن، وذلك فيما يبدو أنه عودة إلى هذه الظاهرة التي تنامت في اليمن خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي، قبل أن تتصدى لها الدولة وأجهزتها بتصميم حازم، في إطار الجهود التي بذلتها للحد من انتشار التطرف والإرهاب، مما يثبت مرة أخرى تلازم الظواهر الثلاث المذكورة آنفا، كما يبين بالقدر نفسه أن مصادر عدم السواء السلوكي والفكري على هذا النحو إنما تنبع مفاعيلها من الهياكل الاجتماعية والثقافية لشعوبنا·
ومن هنا ذلك التلازم في التكوين العربي بين الرفض، أي رفض الآخر، وبين اختطاف الإسلام الذي يترجمه عكسيا اختطاف الآخر كبشر من لحم ودم!
فاطمة الزهراء عمر- طنجة