لم يعد خافياً أن الأزمة التي تواجهها سوريا قابلة للتصعيد منذ اليوم الأول لفتح التحقيق في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، وهي ''أزمة'' قابلة طبعاً لأن تترجم إلى صراع دولي أوسع نطاقاً من مجرد حالات شد وجذب بين أولئك الذين يوجهون الاتهامات أو من يدفعونها عن أنفسهم· هذا إضافة إلى وجود رغبة جامحة من قوى دولية عظمى في مقدمتها، واشنطن وباريس معاً هذه المرة، للذهاب بالأزمة إلى أقصى حد ممكن من التوتر، إن لم يكن لإيجاد خريطة تحالفات جديدة تكون ''أكثر إيجابية'' فرنسياً، فعلى الأقل لمشاغلة دمشق في ما يقال إنه انخراط مستمر منها، في الملف العراقي، الذي تحول إلى همٍّ مقيم على صدر إدارة بوش، هذا دون أن نغفل طبعاً في السياق نفسه مقتضيات حالة التصعيد القصوى المنشودة إسرائيلياً لخلط الأوراق في المنطقة·
كل المسارات إلى حد الآن تؤدي بالفعل إلى التصعيد، وهي مسارات بعضها آتٍ من عاصمة الأمويين في شكل أحداث ومؤشرات متقطعة ولكن متواصلة، وبعضها الآخر آتٍ من بلاد الأرز في شكل أحداث وتفجيرات ومواقف فيها الكثير من الحدية ولغة تصعيد رد الفعل· فمن دمشق جاء أولاً انتحار غازي كنعان، وتلاه ظهور الشاهد هسام هسام، وأتبع ذلك الجهود السورية لإقناع مختلف الأطراف بعدم مصداقية الشاهد زهير الصديق الموجود في فرنسا، وأخيرا جاء انشقاق نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام نفسه، والحديث المسهب الذي أدلى به لقناة ''العربية'' الفضائية، في ما يشبه محاكمة لأداء النظام وأجهزته الأمنية، وفي تطور جدي لمسار الأزمة ما زال حجم ''الضرر'' الذي قد يترتب عليه غير واضح بما فيه الكفاية، نظراً إلى الموقع الحساس الذي طالما شغله ''أبو جمال'' في مفاصل نظام الحكم في دمشق، ولعل ردود الفعل الحادة التي أطلقها مجلس الشعب السوري على انشقاق خدام يؤشر على خطورة هذا الحدث بالغ الأهمية في مجريات وتجاذبات واصطفافات الصراع التي ربما نراها لاحقاً· أما في بيروت فما زالت حالة التفسخ السياسي لبعض التحالفات التقليدية آخذة في التعمق، والظاهر من جبل جليد الأزمة اللبنانية الداخلية حتى الآن، هو حالة التصعيد المرشح بين ''حزب الله'' وحركة أمل من جهة، وحكومة السنيورة والتحالفات المناهضة للوجود السوري من جهة أخرى·
ما يزيد من خطورة، أو لنقل من أهمية، انشقاق خدام، على المسار السوري للصراع، هو أن ثمة أكثر من طرف دولي ينتظر بفارغ الصبر توظيف هذا الانشقاق، بحكم الأهمية البالغة التي كانت تسِم موقع الرجل، وأيضاً لما أبداه في مقابلته التلفزيونية من رغبة، في الذهاب بالحديث إلى حدوده القصوى، وإن كان من المرجح أن طبيعة ردود فعل جهات الحكم في دمشق، ربما يكون لها تأثير على المدى الذي سيصل إليه خدام في مغاضبته، و''انشقاقه''، وهي ردود فعل لم يسجل منها حتى الآن سوى المطالبة بمحاكمته بتهمة ''الخيانة العظمى''·
ومهما يكن من أمر فإن سنة 2006 ربما تكون هي السنة التي ستنضج فيها جميع شروط التصعيد المنشود في التجاذب الحاصل في بلاد الشام الكبرى، وربما ستثبت الأيام أيضاً أن التفسخات الحاصلة الآن في التحالفات والإرادات السياسية ما زالت مرحلية في النقطة التي تقف عندها الآن، وربما يكون الآتي أكثر صخباً وأكثر تأثيراً بكثير·