طالبت القمة الخليجية السادسة والعشرون التي سميت ''قمة فهد'' واحتضنتها العاصمة أبوظبي في 18 من ديسمبر في بيانها الختامي إسرائيل بـ''الانضمام إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية وإخضاع كافة منشآتها النووية لنظام التفتيش الدولي التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية'' كما طالب ''من المجتمع الدولي الضغط على إسرائيل للوصول إلى ذلك''· وجدد المجلس الأعلى مطالبته بـ''جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل بما فيها منطقة الخليج''· ولا يخفى على المراقبين القلق الخليجي المتزايد من الطموحات النووية الإيرانية وحالات المد والجزر في الجولات بين إيران ودول الترويكا والوكالة الدولية للطاقة والتهديدات الأميركية بإحالة الملف لمجلس الأمن· وما زاد من حدة التوتر بين إسرائيل والغرب تصريحات الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الخاصة بمحو إسرائيل أو إنكار الهولوكوست أو نقل إسرائيل إلى أوروبا· تصريحات لا يمكن تبريرها ولم تحظَ إلا بالاستنكار من المجتمع الدولي والتعاطف مع إسرائيل خاصة من الدول الأوروبية التي كانت مواقفها تتمايز عن الموقف الأميركي من إيران والتقت مع موقفها في استنكار التحريض على الإبادة فيما لا يدخل في إطار الرأي السياسي، موقف لم تنفع معه التبريرات اللاحقة من وزارة الخارجية الإيرانية· كل ذلك ساهم في فرض المزيد من التوتر في منطقة هي الأكثر أهمية في العالم·
تبعث الحكومة الإيرانية رسائل متباينة للعالم لكن أوضح هذه الرسائل أن إيران دولة كبرى إقليمياً ويجب التعامل معها على هذا الأساس، وما التصريحات الإيرانية المشار إليها إلا استعراض للقوة واستراتيجية إيرانية تمارسها حكومة محمود نجاد، لم تغب بالتأكيد عن قادة دول مجلس التعاون· لقد نجحت طهران في استمرارية جولات المحادثات بينها وبين أوروبا، وتمكنت السياسة الإيرانية من المحافظة على ''شعرة معاوية'' ومع محاولات موسكو للتهدئة بعرضها المتكرر للقيام بعملية تخصيب اليورانيوم على الأراضي الروسية في محاولة لتهدئة المخاوف الغربية حيال البرنامج النووي لإيران· فيما طهران رفضت العرض الروسي قائلة إن من حقها السيطرة على جميع جوانب برنامجها النووي بما في ذلك تخصيب اليورانيوم مرجعة المسألة برمتها إلى كونها مسألة وطنية، وبذلك تدغدغ طموحات النظام الإيراني لامتلاك التكنولوجيا النووية المشاعر الوطنية ويصبح معها التنازل عن هذه الطموحات انتحارا سياسيا، فامتلاك القوة النووية يعني امتلاك أسباب القوة والنفوذ إقليميا ودوليا، وتلك بحد ذاتها إشكالية قد لا تستشعرها الحكومة الإيرانية إلا متى وجدت نفسها في وقت الخيارات الصعبة· فاللعب على المشاعر الشعبية في ملف بخطورة الملف النووي بتحويل الأمر برمته إلى مصدر للفخر والاعتزاز لعبة سياسية خطيرة، فالسياسة هي لعبة الخيارات المفتوحة وهي إشكالية ستواجهها الحكومة الإيرانية في يوم ما، ولن تكون معها خيارات الحكومة بسيطة·
ويبقى السؤال حاضرا: لمَ تسعى إيران سعيا محموما لامتلاك أسلحة نووية؟ يتبادر للذهن احتمالان أولهما الشعور بالتهديد الخارجي أي أن الغرض دفاعي بحت، وثانيهما الرغبة في الهيمنة· مناقشة الاحتمال الأول تدعونا لدراسة السياسة الأمنية الإيرانية وبالأخص المعادلة الأمنية في الشرق الأوسط، فإيران محاطة بالوجود العسكري الأميركي، فالقوات الأميركية تحارب على جبهتي أفغانستان والعراق، إضافة إلى وجود عسكري شبه دائم في دول الخليج العربية الست وأوزبكستان وباكستان وتركيا إضافة إلى أساطيل بحرية· المظلة الأمنية الأميركية تغطي دول الخليج باتفاقيات ثنائية، ومن ناحية أخرى أربع دول تملك أسلحة نووية تقع ضمن منطقة الشرق الأوسط وجنوب شرقي آسيا: الصين، الهند، باكستان وإسرائيل، فهل ننكر على إيران رغبتها في الانضمام إلى النادي النووي؟ عدم الأمان والعزلة في بيئة معادية إجابة قد تكون مقنعة للبعض فالخيار النووي يوفر قوة ردع تؤمِّن لهم الحماية المطلوبة· لكن ماذا عن الاحتمال الثاني:السعي إلى الهيمنة بتغيير أو بمعادلة الميزان العسكري في الخليج لصالحها هذا من ناحية وللعب دور مؤثر في المستقبل السياسي للعراق وبذلك فهي تمارس ''حقها'' في لعبة الهيمنة والقوة في منطقة الخليج وتستعيد طهران دورها في الخليج كما كانت في أيام شاه إيران· وبين الإحساس بالعزلة والهيمنة طموحات إيرانية ستلقي بظلالها على مستقبل الأمن في الخليج·
لذا كان الملف النووي الإيراني حاضرا بشدة في المداولات الرسمية للقمة الخليجية والتحليلات الإخبارية التي سبقت وتزامنت مع القمة لكنه جاء متواريا في البيان الختامي، وبدلا من التخصيص كان التعميم، إن طرح فكرة شرق أوسط خالٍ من الأسلحة النووية ومع كل الاحترام لبيان مجلس التعاون هي فكرة مثالية وغير واقعية وفي عالم القوة فمن يملك أسلحة نووية من الصعب عليه أن يتخلى عنها، ومع السباق المحموم للحصول على التكنولوجيا النووية من الصعوبة بمكان تخيل أن تفتح إسرائيل أبواب مفاعلاتها النووية للوكالة الدولية للط