شكّل أرييل شارون حزباً جديداً منسلخاً عن تجمع ''الليكود''· لم يكن شارون، بعمله هذا، قد حاول الخروج عن التفاعل اليومي للمجتمع الإسرائيلي، اجتماعياً وثقافياً وسياسياً؛ فالعنف الذي خلقه في ذلك المجتمع ربى جيلاً من العنيفين، بحيث أصبح الإنسان العادي يتعامل مع حوادث العنف كظاهرة عادية ومألوفة، تماماً كما يفعل الممثلون في أفلام الرعب الأميركية، وكأن الفرد في المجتمع الإسرائيلي يشبه الشاب الأميركي العائد في السبعينيات من فيتنام·
والمجتمع الإسرائيلي لا تنطبق عليه جميع النظريات الغربية لأنه مجتمع يشكل سكانه أقلية قومية، ولأنه أقيم على أنقاض شعب آخر ما زال حياً ويبحث بقوة عن وطنه ليعود إليه، ولأن هذا المجتمع هو خليط من الثقافات التي لا يجمعها سوى أصولية دينية وأيديولوجية عنصرية، فهو مجتمع متطور حتى أنه أصبح قوياً عسكرياً واقتصادياً، وفيه فضاء لـ''حرية التعبير والديمقراطية''· ويعتبر شارون نفسه مؤسس هذا الكيان بهذه القوة· لقد رفضت إسرائيل أي مقولة أخلاقية إلا العنف الذي يجسده شارون الذي يدعي طهارة السلاح وهو الذي يحتكر القنبلة النووية في منطقة الشرق الأوسط بمساعدة الإدارات الأميركية، وبخاصة الإدارة الأميركية الحالية·
وللإسرائيليين مقولات في ذلك مثل إن إسرائيل لا يمكن أن تدان أخلاقياً بسبب طرد الفلسطينيين من وطنهم لأن اليهود بحثوا عن ملجأ لهم ينقذهم من الإبادة فوجدوه في فلسطين ولم يكن أمامهم سوى أن يحلوا محل الشعب الفلسطيني الذي لا يسمح له بالعودة وبدفع التعويضات، وأنه ما كان لإسرائيل أن تقوم لولا الترحيل القسري للفلسطينيين حتى بارتكاب المجازر وهي بحاجة إلى مزيد من هذه الأعمال لضمان بقاء الدولة ونقائها· لقد كان مبدأ القوة ضرورياً لفرض وجود إسرائيل وإدامتها، لذا يجب وضع الشعب الفلسطيني في قفص دائم· وتاريخ اليهود لا يستطيع أن يحوز إلا على الأساطير، كأسطورة شمشون ودليلة، وداوود وغوليات، ومجزرة مسعدة، ومحارق النازية· وهم يتوحدون تحت هذه الأساطير فلا فرق بين ''اليمين'' و''اليسار'' فكلاهما صهيوني· ولقد أدرك شارون هذا الفرق المتلاشي فنادى بالهدف الصهيوني بإقامة قاعدة استعمارية للغرب في الشرق العربي، فاتخذ التوسع مبدأ والاستعمار هادياً، وعرف الحركة الصهيونية بأنها حركة تحرر قومي· وهي ليست كذلك وإنما هي لخدمة الاستعمار· وهي أقرب ما تكون إلى الفكر الشوفوني·
لقد تحرك شارون في تأسيسه حزبه الجديد على مبدأي (العالم كله ضدنا- اللاسامية ظاهرة خالدة) ولذلك فإن البقاء اليهودي- في رأيه- مشروط بالتفوق اليهودي الحضاري والأمني· وهذا يعني أن التفوق يضمن السلام الإسرائيلي· وقد تنبه اليهود إلى أنهم في حرب أكتوبر 1973 التي ضربت تفوقهم قد فقدوا حالة الانتشاء بالنصر التي شعروا به في يونيو ·1967 لقد ربتهم القيادات الإسرائيلية منذ دافيد بن غوريون حتى شارون على حالة من الخوف، إنهم يحتاجون إلى حالة حرب دائمة، أي إلى كل ما يذكي حالة العنف لديهم فمعظم المهاجرين إلى الوطن الجديد السليب قدموا من فضاءات رحبة إلى فضاء ضيق ذي حدود مغلقة إلا من جهة البحر، لذلك فهم مستوطنو استعمار وليسوا مواطنين عاديين، إذ هم يتحركون بهاجس السيطرة على المكان الذي يقيمون فيه واستعمروه وفي مساحته الضيقة وفضائه الضيق· لذلك هم يرفضون أن يكونوا جزءاً من الشرق الأوسط، استعلاء عليه إذ هو مكون من شعوب متخلفة - في رأيهم - تحس بالنقص· وهكذا مطلوب من اليهودي أن يقاتل في حرب دائمة، ليجد نفسه يعود إلى النقطة التي بدأ منها·
من شطحات شارون ذلك الجدار العنصري الذي أقيم في عصر انهيار الجدران والحدود· والذي يهدف إلى إماتة الشعب الفلسطيني كل يوم· إن قطة تحتضر في أحد شوارع نيويورك يهز منظرها العالم أكثر من موت ذلك الشعب الفلسطيني المحاصر من الجو والبر والبحر·
''يخطىء'' من يظن أنه لا توجد ثقافة عبرية، تهتم بها الحكومات المتعاقبة بدعمها في الجامعات ومراكز البحث والدراسة وغير ذلك من المؤسسات التربوية· والعبرية لغة طورها اليهود كثيراً· وهناك ثقافة عبرية مسيّسة، أي أنها وضعت لتخدم السياسة· وشارون يستخدم كل شيء في سبيل العنف، والثقافة المسيّسة إحدى وسائله·