انتخب حزب ''العمل'' الاسرائيلي مؤخراً ''عمير بيريتس'' الذي كان رئيساً لنقابة عمال إسرائيل ''الهستدروت'' عوضاً عن شمعون بيريز الرئيس المؤقت للحزب، وهو ما تزامن مع مرور عشر سنوات على رحيل زعيم الحزب السابق إسحاق رابين، ومع ذكرى مرورعام على موت الرئيس السابق لـ''منظمة التحرير الفلسطينية'' بمؤامرة إسرائيلية أدت إلى سمه بسموم بطيئة قاتلة حسب قول وزير الخارجية الفلسطيني· وقد سارع الرئيس الجديد لحزب ''العمل'' إلى قرار سحب الوزراء حزب ''العمل'' من الائتلاف الحكومي الذي يرأسه أرييل شارون· وقد أكد بيريتس على ضريح رابين أنه يجد في شخص محمود عباس ''أبو مازن'' رئيس السلطة الفلسطينية شريكاً ملائماً للسلام، وأن التفاوض هو الطريق الوحيد لتسوية سياسية، وأن استمرار الاحتلال قد شوّه وجه المجتمع الإسرائيلي أمام الدول الغربية وأمام الولايات المتحدة، وأنه يتطلع إلى انتخابات مبكرة في شهر فبراير أو مارس القادمين، وأكد أنه سيواصل السير على نهج رابين فيما يتعلق بالتفاوض مع الفلسطينيين لإنهاء الصراع سلمياً· وهكذا أبدى بيريتس اختلافاً جذرياً مع من سبقوه في رئاسة حزب ''العمل'' كباراك ونتانياهو وبيريز، وبخاصة أنه ألمح سريعاً إلى تبادل الأراضي مع السلطة الفلسطينية مع بقاء الكتل السكانية الاستيطانية تحت السيادة الإسرائيلية، وأن تقوم إسرائيل باستئجار أراضي الكتل السكانية الاستيطانية من الدولة الفلسطينية· وهكذا يقول ''بيريتس'' لأول مرة، إن الانسحاب من الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب يونيو 1967 ضروري وفق قرارات الشرعية الدولية وبخاصة إذا فاز حزب ''العمل'' في الانتخابات القادمة، ما يمثل فرصة سانحة للشعب الفلسطيني وللشعوب العربية التي احتلت أراضيها من قبل إسرائيل· وبذلك تتخلص من حكم شارون الذي طغى وتجبر في حكمه، وصفى المقاومة الفلسطينية المتمثلة في ''حماس'' و''الجهاد الإسلامي'' بالاغتيالات والاعتقالات، فتواصل القوات الإسرائيلية غاراتها على قطاع غزة التي أعلنت انسحابها منه وفي أربع مستعمرات في الضفة الغربية في منتصف أغسطس الماضي، ولم تجد المقاومة الفلسطينية بداً من الرد على هذه الاعتداءات حتى أصبحت هذه الاعتداءات والرد عليها الشغل الشاغل للمقاومة الفلسطينية والقوات الإسرائيلية المعتدية، ولم يكن ذلك بغائب عن الشعب الفلسطيني عن أن السياسة الإسرائيلية تهدف إلى إيقاع الفتنة بين السلطة الفلسطينية والشعب، وبخاصة أن تلك السياسة قد استهدفت رموز وقيادات ''حماس'' و''الجهاد'' بعملياتها التجسسية عليهم سواء داخل أراضي السلطة الفلسطينية أو خارجها، فاتبعتهم ورصدت حركاتهم·
وكانت منظمات المقاومة قبل قيام السلطة الفلسطينية تقوم بإعدام هؤلاء العملاء أما بعد قيام السلطة الفلسطينية فلم تجد هذه السلطة بداً من محاكمة المشتبه فيهم وإعدام من تثبت إدانتهم بالخيانة للمقاومة أو منظماتها بعد تحقيق تقوم به الأجهزة القانونية و الاستخباراتيه· وبالرغم من استخدام شارون أحدث الأسلحة في الاغتيال والاعتقال والقتل والتدمير والتجسس ضد الشعب الفلسطيني وضد مقاومته ومنظماته، فإنه لن ينجح في كسر إرادة شعب صمم على التحرر من الاستعمار والاحتلال، وبخاصة أن الاحتلال، حسب قول بيريتس، زعيم حزب ''العمل''، قد شوه وجه المجتمع الإسرائيلي· وحين يتحدث شمعون بيريز بلغة هرتزل القديمة تجاه العرب ومن منطلقات الصهيونية نفسها، فإنه يتهم العقل العربي بعدم استيعاب معطيات التطور في العالم وبخاصة في المجال الاقتصادي وأن السلام بين العرب وإسرائيل وإنجاز متطلبات التطبيع الشامل والكامل في العلاقات هما الشرطان الضروريان لدخول العرب عصر التنمية والسلام ليصبح العرب مثل نمور آسيا بالعبقرية اليهودية· هذه الاستراتيجية منذ العام 1970 وهو إن يتكلم ويكتب فهو يتكلم ويكتب بلسان حزب ''العمل'' وهذا التفسير هو من صميم تفكير حزب ''العمل''·
وإذا كان يخشى أن ينقلب بيريتس بتأثير بيريز، فإن هذه الخشية تبقى مسيطرة على الظنون حتى يقنع بيريتس بيريز بالانسحاب من منصب النائب الأول لرئيس الوزراء الصهيوني شارون الذي يجمع جميع عناصر الحرب على الشعب الفلسطيني· ذلك أن الصراع بين انتفاضة الشعب الفلسطيني الثانية وشارون هو صراع على البقاء· وهو الذي قال إن حرب 1948 لا تزال قائمة ولم تنته بعد· وبذلك ينفي شارون جميع احتمالات السلام بل لو وضعنا فكر الحركة الصهيونية مع فكر شارون لوجدنا تطابقاً كاملاً بينهما·