حينما يقرر الصهاينة إعادة بناء ''الهيكل الثالث'' محل المسجد الأقصى ويحددون تاريخاً جديداً له، فإنهم بذلك يعاودون حكاية استعمار قديمة يوم أن حاولت الصهيونية قلب الوضع الراهن بالنسبة لحائط البراق· ولم تكن للصهيونية يومذاك هذه العدوانية التي لها اليوم، كما لم تكن وسائلها الحالية بما في ذلك الجرافات التي تفتح الأنفاق وتزيل بها الآثار التاريخية العربية· وقد لاحظ العرب المشرفون على حائط البراق جلب اليهود المتعصبين الكراسي والمصابيح على غير عادتهم في السابق، ووضع هذه الأدوات أمام حائط البراق بدعوى ملكية الأرض التي يضعون هذه الأدوات عليها· وحينما احتلت القوات الإسرائيلية، يوم 28/6/1967 ، حائط البراق، كان أول عمل قامت به هو الاستحواذ على الأرض و''تنظيفها'' من كل أثر مسلم، ثم طبقت الحكومة الإسرائيلية بقرار من الكنيست القوانين الإسرائيلية على المدينة المقدسة بقسميها، وأحاطتها بسور يفصل المدينة عن محيطها الجغرافي·
انتبه الفلسطينيون إلى هذه الحيلة، وقدموا احتجاجا إلى حكومة الإنتداب الإنكليزي التي كانت تؤازر اليهود في احتلالهم فلسطين· وكان ذلك في 19/2/1922 ، واستمرت الاحتجاجات حتى عام ،1929 عندها بلغ التوتر عند الحائط حدَّ انفجار عربي مسلح ضد المؤامرة الصهيونية على حائط البراق· كانت انكلترا كلّما اشتد الضغط العربي عليها تأمر اليهود برفع أدواتهم إلى أن وقع انفجار عام ·1929 وهكذا أمرت انكلترا عصبة الأمم كي تصدر تشكيل لجنة عرفت ''بلجنة شو'' نسبة إلى رئيسها· ووصلت اللجنة إلى القدس في 19/6/،1930 وعقدت فيها 23 جلسة· وكان دفاع الفريق العربي عن حق العرب في القدس يثير الإعجاب ويدل على مستوى رفيع من التصرف المسؤول والإدراك العميق لرمزية القدس في عقائد الشعب الفلسطيني والمسلمين الذين كانوا أعضاء في الفريق العربي المسلم· وانتهت اللجنة من تقريرها في 1/12/1930 وخلصت في تقريرها هذا إلى أن حائط البراق أثر إسلامي مقدس، وأنه بكل حجر ومدماك فيه، طولاً وعرضاً، ملك للشعب الفلسطيني ووقف إسلامي، ولا حق لليهود في الصلاة قرب الحائط التي تعود إلى التسامح الإسلامي·
ولايختلف التلفيق الهائل الذي مارسته اسرائيل حول تاريخ القدس عن الاكاذيب واساليب الاحتيال التي اتبعتها في بناء مشروعها النووي المعادي للعرب! فاسرائيل تعتبر كياناً نووياً، وهذا مبعث ومسند قوته، وليس عضواً في معاهدة انتشار الأسلحة النووية· وهو لا يزال متمسكاً بسياسته المبنية على أساس الغموض النووي، فهو لا يؤكد ولا ينفي امتلاكه سلاحاً نووياً· غير أنه يعتقد أن إسرائيل تمتلك هذا السلاح منذ ستينيات القرن الماضي، فقد طورت أسلحة نووية· وتشير معظم التقديرات إلى أن إسرائيل تملك اليوم 200 سلاح نووي أو أكثر من ذلك، وهذا يعني أنها تتفوق على انكلترا التي يدرج اسمها مع الدول الخمس النووية· ويعتقد أن إسرائيل تملك أسلحة نووية مخزنة وغير ذات تعبئة للاطلاق مما يتطلب بعض الوقت قبل استعمالها· وهي لديها أسلحة نووية غير استراتيجية كقنابل مدفعية وألغام أرضية· وتتمتع بحماية الولايات المتحدة في مجلس الأمن وخارجه وتسلحها· فهي قد أعدت صواريخ أميركية تنطلق من غواصة ألمانية من فئة ''دولفين''·
ولذلك خلت ''خريطة الطريق'' من أي نص يتعلق بملكية إسرائيل السلاح النووي· بينما نصت على جعل ''القدس'' موضوعاً ''يتفق عليه'' حالها في ذلك حال ''حق العودة للاجئين الفلسطينيين'' و''الحدود'' و''المستعمرات''·· مقابل أن تقبل الدول العربية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، والأمن لجميع دول المنطقة في إطار سلام عربي - إسرائيلي شامل·
بديهيّ أن استناد الإعلام العربي بوضوح وصراحة إلى هذه الواقعة التاريخية ينطوي على مغزى لا يجوز الإقلال منه· بل إنه يشكل المنطلق الأساسي لبحث احتلال القوات الإسرائيلية القدس يوم 28/6/1967 وتطبيق القوانين الإسرائيلية عليها، ووضع القدس القديمة بما فيها حائط البراق، والجدار العنصري!