لدى قراءة مقال الكاتب جاسجيت سينج الأخير ''إيران وضربة فيينا الموجعة'' نخرج بعدة ملاحظات وآراء من بينها الطبيعة المفاجئة للقرار الذي أصدرته الوكالة الدولية للطاقة الذرية في اجتماعها الأخير المنعقد بمقرها في الرابع والعشرين من شهر سبتمبر الماضي، وما شكله ذلك القرار من صدمة كبيرة لطهران، جراء تصويت جارتها الهند لصالحه· كما نخرج أيضاً باهتمام المجتمع الدولي بأسره، باجتماع الوكالة المقبل، المتوقع انعقاده في الرابع والعشرين من نوفمبر، وما يحيط بهذا الاجتماع من شائعات قوية حول احتمال دفع واشنطن باتجاه إحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن· والذي استوقفني بين هاتين النقطتين، حسابات الكاتب وتحليله لاحتمالات مواقف كل من طهران وواشنطن، ومن ثم احتمالات تطور الأزمة النووية الإيرانية· فمن جانب إيران، يرى الكاتب أن من المرجح أن تخفض طهران من حدة نبرة المواجهة وردات الفعل العنيفة الطاغية على خطابها السياسي والإعلامي الآن، بما يفسح المجال أمام التوصل إلى حل سياسي دبلوماسي للأزمة معها·
أما من جانب واشنطن، فيقول الكاتب إن من المستبعد جداً أن تدفع إدارة بوش، باتجاه إحالة ملف إيران إلى مجلس الأمن الدولي، بالنظر إلى ما تتطلبه هذه الإحالة من فرض عقوبات اقتصادية أو عسكرية أو الاثنين معاً، بل وحتى توجيه ضربة عسكرية لطهران· وقال إن مشكلة إدارة بوش أنها منهمكة في مأزقها العراقي، وأنها ستخاطر فيما لو أصرت على إحالة الملف الإيراني إلى مجلس الأمن، بخلق المزيد من حالة الاضطراب والبلبلة السياسية الأمنية، التي تعيشها منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط كله في الوقت الراهن·
تبدو هذه الحسابات صحيحة ومتوازنة عند النظر إليها في تجريدها المنطقي العام، ولكن ما أن تتم مقاربتها في ضوء تطورات الأحداث والواقع الحي، حتى ندرك مدى مثاليتها ومجانبتها للصواب· ففي اليوم الذي نشر فيه المقال ذاته، كان الرئيس الإيراني قد صعد نبرته الخطابية إلى ما يتجاوز المدى الممكن، وذلك بتهديده بإزالة ومحو إسرائيل من خريطة العالم كله· وفي مثل هذا التصريح وحده ما يهزم منطق التراجع الذي بنى عليه الكاتب جاسجيت سينج مقاله، ويدير الاحتمالات إلى ناحية مواجهة ليست مستبعدة في ظل تطورات الواقع السياسي اليومي·
صلاح محمود - عجمان