إذا كان البعض في دولة أخرى، وجه لوما قاسيا إلى سعد الحريري بسبب تعليقه على تقرير المحقق الدولي ديتليف ميليس، فإن ما يستحق التنويه في ذلك التعليق هو عباراته الموزونة وروحه المتماسكة التي تحدث بها سعد عن تقرير يضع الإصبع على جرح في قلبه، كأي ابن فقد والده في مشهد درامي ملأ الأرض دخانا وموتا، قبل أن ينسحب تاركا وراءه بحورا من الدموع والأحزان التي لم توفر شخصا واحدا في لبنان كله!
ولعلي شخصيا، كغيري من آلاف الذين تابعوا ذلك التأنيب شبه الرسمي للحريري الابن وما أشفع به من اتهامات ونعوت خارج حدود المقبول، أحسست بالمهانة والرثاء الشديدين لحالة عربية بلغت ذلك الحد من الإفلاس وافتقاد الأدوات الملائمة لإدارة خلافاتها ولتخطي حزازاتها ونعراتها الضيقة!
على كل حال، ليس الذي يده في النار كمن يده في الماء، كما يقول المثل، وبالتالي يمكن لأشقائنا في سوريا أن يتفهموا أحاسيس أشقائهم اللبنانيين بعد ما انتظروا الحقيقة أشهرا كأنها الدهر كله، فما بالكم بمن هو الابن والوريث السياسي والأخلاقي لرجل افتقده بلده وملايين مواطنيه بتلك الدموع وتلك الشموع وتلك الساحات التي شاهدناها ممتلئة بالشهيد رفيق الحريري ومرافقيه الذين شاركوه الشهادة!
وإن يكن تقرير لجنة التحقيق الدولية، يمثل لحظة زلزال فاصل في تاريخ المنطقة، فلأهميته وأهمية الشخصية التي يحقق في عملية اغتيالها·· لذلك لا داعي لاتهامات خارج حدود اللياقة، ولا داعي أيضا للتشنج طالما أن الحقيقة تعرف أين تشير وأي الفاعلين تدين!
جورج نعيسة - بيروت