الصدفة هي التي لعبت دورها، فجمعت في أسبوع واحد، في قفص اتهام حديدي وفي محاكمة هي الأولى من نوعها في العالم العربي الرئيس العراقي صدام حسين، وفي قفص اتهام آخر مازال حبراً على ورق، كل من خطط ونفذ وشارك في زلزال 14 فبراير في بيروت، باستثناء طبعاً الجنرالات اللبنانيين الأربعة، الموقوفين· هل هي صدفة؟
لا أدري، ولكن المشهد الأول الذي قفز الى المخيلة، عند البدء بقراءة تقرير القاضي الألماني ديتليف ميليس حول التحقيق في قضية اغتيال لبنان والرئيس الشهيد رفيق الحريري ومن استشهد معهما··· كان مشهد صدام حسين، مصراً على رفع رأسه··· مطأطأ الكرامة، في قفص مميز عن أقفاص كل الذين قتلهم وأمر بقتلهم، ودفنهم في مقابر- أقفاص- جماعية· فهو في قفصه لا يزال حياً، وعلبته الحديدية مفتوحة السقف، ولا يزال بعيداً عن العتمة التي يستحق كل من آذى العراق والعراقيين- أيامه، واليوم- أن يغرق ويذوب فيها·
وبعد هذا المشهد، ''خبطت'' المخيلة صورة الرئيس اللبناني الذي سجل أحد أهم تصريحاته ليلة نشر التقرير، وهي الليلة التي لم ينم فيها لبناني من كثرة الخوف والتوتر، إذ قال للبنانيين -حرفياً-''لا داعي لحال القلق والخوف لأن الدولة بمؤسساتها السياسية والأمنية والمالية ساهرة على حماية مسيرة السلم الأهلي ومقومات الوفاق وإحباط أي محاولة تهدف الى إحداث إرباكات على الساحة الداخلية''·
سبحان الله، إذا كان الأمن مستتبا، والدولة المصونة ساهرة والأمور مطمئنة الى هذا الحد فمن ارتكب الجرائم والاغتيالات والتفجيرات التي بدأت بمروان حمادة·· وأخذت بدربها أرواح من أخذت، ومن شراهتها، لمت في طريقها أطراف مي شدياق، وابتسامتها الحلوة، ولا ندري من التالي··؟
ما علينا··· المخيف في هذه المخيلة، أنها رغم الايجابية التي مثلها إنتاج تقرير ميليس، لم تستطع دحض المثل العراقي الماثل أمامها· وكيف أنه للوصول الى يوم محاكمة صدام، كان لا بد من إعدام العراق، وبالتالي لا نريد أبداً أن يصل من اغتالوا لبنان، الى المحكمة بعد أن يعدم لبنان من جديد وربما للمرة الثالثة في 30 سنة·
كذلك لا نريد أن يصل من اغتالوا الحريري وغيره الى المحاكمة، بعد أن يحاسب الشعب السوري الذي بدأت أميركا تساعدها إسرائيل على سن سكاكين مشروع محاسبته، وقد عاصرنا محاسبة العراق الى أن بات العراق مشروع أوطان·
لا بد من محاسبة المجرمين في كل من لبنان وسوريا، المجرمين فقط، أياً كانوا، وبأشد أنواع العقاب· عقاب لن يعيد من بات الى جوار ربه، ولن يعيد ما دمر، إنما عقاب يشفي الغليل، عقاب شرطه أن يكون بعيداً عن الشعبين اللذين لم تعد لديهما القدرة على تحمل ارتدادات الزلازل التي تضربهما·
يوم إعلان ''الحقيقة'' نزلوا الى الساحة التي حضنت منذ 14 فبراير دموعهم وانكسارهم وأملهم بالاستقلال· عادت الأغاني تصدح من جوانب الضريح- الوطن· بيروت عم تبكي، مكسور خاطرها·
هل جبّر تقرير ميليس ذاك الخاطر الكسير؟