منْ يا ترى خسر العراق؟ سيتضح الرد على هذا السؤال يوماً ما، بينما بلاد الرافدين تنزلق نحو دوامة التعصب الديني والإرهاب والحرب الأهلية، حينها سيُجري الحزبان الأميركيان تحقيقاً حول هذه الورطة التي دفعتنا للتدخل قسراً في شؤون شعب آخر. وسيكون السؤال الجوهري هو لماذا فشل هذا الغزو الأميركي "الاستباقي" في تحقيق الأهداف المرجوة التي كان ينشدها رعاته من "المحافظين الجدد"، علما بأنه خلف 2000 قتيل من الأميركيين وأكثر من ذلك بعشر مرات بالنسبة للعراقيين، وأهدرت فيه 200 مليار دولار. ومهما اختبأ بوش وراء الدستور العراقي الذي أصبح بمثابة ورقة التوت التي يداري بها سوءاته، فإنه لن يستطيع حجب الحقيقة المتمثلة في اشتداد قوة الحكام الدينيين والاستبداديين في المنطقة. وتأكيداً لهذا الطرح صرح الخبير في شؤون المنطقة "بيتر جالبريث" أن على الولايات المتحدة أن تعترف بأنها أطاحت بصدام حسين ليستبدل بدولة مساندة لإيران، ويضيف جالبريث أن "هذه الدولة ستكون قمعية وغير مستقرة".
وإذا كنتم تعتقدون أن ما سبق ينطوي على مبالغة، فما عليكم سوى أن تنظروا إلى أكبر حزب سياسي شيعي في العراق اليوم، وهو "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية" و"مليشيا بدر" التابعة له. فهذا الحزب لم يكن فقط مستقرا في إيران، بل هو صنيعة عدو واشنطن اللدود آية الله الخميني، فضلا عن أن القوات العسكرية للحزب شاركت في القتال إلى جانب إيران في حربها مع العراق، وحظي باعتراف طهران على أنه الحكومة الشرعية للعراق في المنفى. وللتأكد أكثر من صحة طرحنا انظروا إلى نائب رئيس الوزراء العراقي الحالي والمعارض السابق أحمد الجلبي، فقد نجح هذا السياسي الداهية في الحفاظ على علاقات متينة مع إيران في نفس الوقت الذي كان فيه يتلقى الدعم من وزارة الدفاع الأميركية. كما لعب دوراً كبيراً في تضليل المسؤولين الأميركيين والصحفيين ودفعهم للاعتقاد بأن العراق يمتلك أسلحة الدمار الشامل.
يا لها من نتيجة عبثية وصلنا إليها بشأن العراق بعدما كنا نأمل في دولة عميلة وموحدة تدور في فلك أميركا وتفتح أسواقها ولا تتحالف مع عدوتنا إيران. ومع ذلك مازال بوش يطلق تلك التصريحات الزائفة من قبيل "التقدم" و"الأمل". وقد وصل الأمر بالرئيس بوش أن يتصل برئيس "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية" عبدالعزيز الحكيم أثناء عملية كتابة الدستور وطلب منه أن يقدم بعض التنازلات لكسب تأييد السُنة، فما كان من هذا الأخير إلا أن صدَّ طلبه، فاضطر بوش إلى تجرع المرارة دون أن ينبس ببنت شفة. وبالرغم من ذلك استمر بوش في التفوه بالسخافات حيث قال بخصوص الدستور "إنها وثيقة تستحق أن يفخر بها العراقيون وباقي العالم". ولا أدري كيف أغفل مبادءه الديمقراطية وتناقضها مع بعض أحكام الدستور مثل ما جاء بشأن الإسلام على أنه "الدين الرسمي للدولة ومصدر أساسي للتشريع"، بالإضافة إلى ما تضمنه من مواد تذكرنا بالطريقة الاشتراكية القديمة في صياغة الدساتير كأن ينص على "أن تكفل الدولة العمل والحياة الكريمة للمواطنين". بيد أن خطر الدستور الجديد يتمثل في تنصيب شبح الخميني كزعيم روحي للعراق، وحينها لن يكون في وسع بوش سوى القبول بالأمر الواقع.
وأمام هذا الوضع بدأت تتعالى الأصوات المعارضة من داخل الحزب "الجمهوري"، خصوصاً من قبل السيناتور "شاك هاغل" الذي قال "إن تورطنا في العراق ساهم في زعزعة استقرار الشرق الأوسط، وكلما طالت فترة بقائنا هناك، كلما ازداد عدم الاستقرار". لذا أعلن صراحة الأسبوع الماضي "إننا يجب أن نفكر جديا في طريقة للخروج من العراق". وفي حالة إصرار بوش على الإدلاء بتصريحاته التي يقول فيها "إن المهم الآن هو تمكن العراقيين من معالجة قضاياهم من خلال النقاش وليس الرصاص"، يجب أن نقول له إن رصاصك يا سيدي الرئيس هو الذي أخرج لنا عراقاً جديداً يراوح بين هشاشة لبنان وتعصب إيران.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"