هل صحيح أن هناك ما يزيد قليلاً على 58 ألف مواطن من أصحاب الملايين حسب ما ورد مؤخراً في تصنيف أجرته إحدى بيوت الخبرة المالية العالمية؟ هذا الرقم مر مرور الكرام دون أن نتوقف لحظة لاستجلاء حقيقته... والحقيقة أن الرقم المذكور غلط، ذلك لأن جميع أبناء الإمارات الراشدين منهم، أي ما عدا الأطفال، هم من أصحاب ملايين، ولكن في الوقت نفسه هم أيضاً فقراء.
لا نعرف الأسس التي قام عليها التصنيف المذكور. ولكن ما نعرفه تقليدياً هو أن كل من يملك فوق المليون درهم أو دولار يمكن عده في خانة المليونيرات، وضمه إلى نادي الأثرياء الذين لا يسلَمون من حسد الحساد، "وفي عينهم خمسة وخميسة" على رأي إخواننا المصريين. غير أن الحقيقة بالنسبة لأبناء الإمارات غير ذلك تماماً. وإلا لما سمعنا عن حقائق تهز الوجدان، من بيوت تنهار سقوفها على رؤوس أصحابها ولا يملكون ثمن صيانتها، أو حقيقة أن أكثر من ثلاثين ألف حالة تعيش على الشؤون الاجتماعية وتتقاضى ما لا يزيد على 1500 درهم شهرياً، وعليها أن تعيش على هذا المبلغ شهراً كاملاً، وغير ذلك من حقائق ملموسة على أرض الواقع، وليست ملموسة للأسف في دفاتر المسؤولين والمنظرين والمحللين الماليين.
ومع ذلك نقول بثقة إن كل الراشدين من أبناء الإمارات هم من أصحاب الملايين ولكن فقراء... كيف؟ كل من يملك أرضاً وبيتاً، وغالبية أبناء الإمارات كذلك اليوم بفضل المنح والهبات الحكومية وسياسة الإسكان الرشيدة، يملكون على الورق أكثر من مليون درهم، وهي في الحقيقة قيمة الأرض، التي ارتفعت وتضخمت في السنوات الأخيرة نتيجة للارتفاع في الأسعار ومعدل التضخم السنوي. إذ أن متوسط قيمة الأرض الصغيرة في كل من أبوظبي ودبي مثلاً لا يقل عن ثلاثة ملايين درهم، ولا يقل عن مليون درهم في الإمارات الشمالية، وهذه يملكها غالبية من المواطنين. غير أن هذه الغالبية في الوقت نفسه، وللأسف الشديد، هي نفسها التي تنهار على رؤوسها الأسقف، أو الذين يعيشون على "الشونة" أو الوظيفة، ويكابدون شظف الحياة مرتفعة التكاليف بلا موارد إضافية، ما يجعلهم عملياً في خانة الفقراء وربما بعضهم يمكن تصنيفهم تحت خط الفقر.
وخط الفقر هذا غائب في الإمارات، على خلاف الدول الأخرى التي لديها معايير وتصنيفات. فمن قلَّ دخله في دولة عن ألف دولار شهرياً على سبيل المثال يدخل تحت خط الفقر. وفي دول أخرى من يقل عن ألفي دولار... وهكذا. أما عندنا فليس هناك من تصنيف بعد لخط الفقر، لكي نبني عليه تحليلاتنا، فنترك ذلك للجهات الإقتصادية والمالية المسؤولة لكي تتدارس هذا الخط وتضع له حداً معيارياً، وإن كنا حالياً نستطيع، في غياب هذا التصنيف، أن نعتبر جميع من يعيش على "الشونة" هم تحت خط الفقر بدخل يقل كثيراً عن ألف دولار شهرياً.
وهكذا فإن وجود أكثر من 58 ألف مليونير في الإمارات هي خرافة مالية واقتصادية ومن بنات التحليل على الورق, لأن المواطن الذي يملك بيتاً شعبياً ومسكناً، هو مليونير من الناحية النظرية بسبب قيمة هذه الأرض، وهو فقير معدم عملياً بسبب شح الدخل الشهري والسنوي ومتطلبات وتكاليف المعيشة، ونسبة التضخم السنوي الفالت من كل رقابة وتحكم.
والأغرب من كل ذلك أن يصدق بعض المسؤولين ورجال الأعمال خاصة مثل هذه الأرقام عن المليونيرات، فيعتقدون أن حال المواطن لبن على عسل، ذلك لأنهم علاوة على الأرقام الورقية، ينظرون فيما حولهم من ناس فيجدونهم في بحبوحة، فيعتقدون أن جميع أبناء الإمارات كذلك، فيما الوقائع على الأرض تخالف ما يعتقدون.
الأغرب أكثر أن نسمع من رجال أعمال تزيد مداخيل بعضهم من شركاتهم ووكالاتهم واستثماراتهم في الأسهم، والسندات وغيرها على الـ600 مليون درهم سنوياً، يقولون إن المشاريع، خاصة الجديدة منها، في الدولة يستفيد منها الأغنياء والفقراء على السواء. فإذا عرفنا كيف يستفيد منها الأغنياء فيزدادون غنىً عن طريق تلزيمهم هذه المشروعات أو شراء حصص كبيرة من الأسهم فيها، فلم نعرف بعد كيف يستفيد منها الفقراء، الذين لا يملكون شركات مقاولات ولا وكالات توريد واستيراد مواد خام وغيرها ولا يملكون المال الكافي لشراء أسهم معتبرة. وحتى في حال الأسهم رأينا كيف تتم منافستهم وعدم تمكينهم بما يكفي للحصول على حصص معقولة على نحو ما جرى في الاكتتابات الجديدة التي تمت خلال العام الحالي. كانت حصة الصغار المستثمرين فيها مجرد فتات، أو فتافيت لا تسمن ولا تغني من جوع.
يجري كل ذلك والمشروعات الجديدة لا توظف أبناء هؤلاء المواطنين لكي يعود جزء من دخل هذه المشروعات على أبناء الإمارات، فنعرف أنهم استفادوا عن طريق الوظيفة. ويجري كل ذلك وفتح باب التملك للحصص والأسهم للأجانب يزيد بوتيرة سريعة وبنسب مرتفعة بلغت حتى الآن في بعض الشركات حوالي 50%. فمن أين تأتي استفادة المواطنين الفقراء إذن من هذه المشروعات؟ هذا دون الدخول في تفاصيل أخرى صارت مملة، كجلب مزيد من العمالة الأجنبية والاستثمارات الأجنبية لكي ينافس المواطن في أرضه ويدفعه فعلاً أكث