قبل أن تشنّ القوات الأميركية الحرب على العراق في مارس 2003، كان نظام صدام حسين ينتظر هذه القوات من الشمال التركي، فإذا بها تنطلق من الجنوب الكويتي. ويبدو أن النظام الإيراني قد يكون ضحية سيناريو مماثل إذا ما ركبت الإدارة الأميركية الحالية التي يسيطر عليها المحافظون الجدد والمسيحانيون الصهيونيون وقررت الذهاب إلى ضرب إيران. فالاعتقاد العام السائد هو أن القوات الأميركية قد تنطلق من الغرب من العراق المحتل. ولكن يبدو أن السيناريو الذي يجري إعداده يمكّن هذه القوات من الانطلاق من الشمال، وتحديداً من أذربيجان. لقد أقامت الولايات المتحدة قاعدة عسكرية في الدولة الأذرية على البحر الأسود. وتوفر هذه القاعدة للقوات الأميركية ميزتين مهمتين: الأولى هي أن العاصمة طهران أقرب إلى أذربيجان منها إلى العراق. والثانية هي أن سكان شمال إيران هم في أكثريتهم من الأذريين الذين يتطلعون إلى الوحدة مع الوطن الأم.
وكان الاتحاد السوفييتي السابق قد حرّض على هذه الحركة الانفصالية عن إيران وموّلها على مدى سنوات طويلة منذ قيام الثورة الإسلامية التي اتخذت من النظام الشيوعي في موسكو موقفاً سلبياً. وقد ورثت الولايات المتحدة الآن هذه الحركة و"أمركتها" وحولتها إلى آلة من آلات الضغط على إيران. كذلك ورثت الولايات المتحدة حركة "مجاهدي خلق" المعارضة لإيران والتي كان يحتضنها النظام العراقي السابق. فبعد الاجتياح الأميركي للعراق اعتقلت القوات الأميركية قيادات هذه الحركة وألقت القبض على عناصرها وهم في المعسكرات الخاصة بهم في عدد من المناطق العراقية في الجنوب وحول بغداد.
ويبدو أن العداء المشترك للنظام القائم في طهران جمع بين الإدارة الأميركية وهذه الحركة الإيرانية، حتى أن طهران تتهم هذه الحركة بأنها مسؤولة عن انفجارات القنابل التي وقعت في 12 يونيو الماضي في الأهواز وفي طهران وحتى في قم بالذات عشية الانتخابات الرئاسية الإيرانية والتي استهدفت عدداً من المؤسسات الحكومية وراح ضحيتها عشرة قتلى وعدد من الجرحى.
إن تتبع ما يحدث الآن في إيران بعد الانتخابات الرئاسية التي فاز بها أحمدي نجاد المعادي للولايات المتحدة ولمشاريعها في إيران والشرق الأوسط، يعيد إلى الأذهان ما كان يحدث في العراق قبل الاجتياح الأميركي، وتمهيداً له. فالأميركيون استطاعوا أن يشكلوا تنظيماً معارضاً للنظام العراقي السابق. ثم مهدوا للاجتياح بأمرين أساسيين: أولاً, من خلال تنفيذ عمليات إرهابية داخل العراق، وثانياً, من خلال قيام القوات الأميركية بعمليات استطلاع جوي دائم فوق المرافق والمؤسسات العسكرية العراقية. وتتعرض إيران اليوم لعمليات استطلاع مباشرة تقوم بها طائرات تجسس من غير طيارين، تبث صوراً حية بواسطة الأقمار الاصطناعية من عمق الأجواء الإيرانية مباشرة إلى غرفة العمليات في نورث كارولينا. وكما كان العراق محاطاً بتهديد أميركي من الشمال (تركيا) والغرب (الأردن) والجنوب (الكويت)، كذلك فإن إيران محاطة بتهديد أميركي من الشرق (أفغانستان)، ومن الشمال (أذربيجان)، ومن الغرب (العراق) ومن الجنوب (الأسطول الأميركي في بحر العرب والخليج). ثم إنه كما أن العراق كان يشكو من خلل في وحدته الوطنية بسبب المشكلة الكردية في الشمال، فإن إيران تعاني من خلل - ولكن بنسبة أقل حدة - في وحدتها الوطنية بسبب المشكلة العربية في الأهواز (ثلاثة ملايين عربي). ويشكل هذا الخلل مدخلاً إلى التغلغل إلى عمق التركيبة الإيرانية ومن ثم توجيه الطعنات إليها على النحو الذي حدث في العراق. وهذا ما يفسر البعد الحقيقي لمتفجرات الأهواز.
وإذا كان الأكراد قد واجهوا صعوبات معقدة بسبب موقف تركيا المجاور لهم والذي اتسم بالسلبية منهم ومن ومطالبهم القومية، فإن عرب الأهواز يفصلهم عن العمق العربي مياه الخليج وحرص دول مجلس التعاون على عدم التدخل في شؤون إيران الداخلية مقابل عدم تدخل إيران في شؤونها الداخلية أيضاً. من هنا السؤال: هل تكون إيران الهدف الثاني بعد العراق؟.
إن المنطق السليم يفرض جواباً بالنفي. وذلك قياساً على المكابدة العبثية التي تواجهها الإدارة الأميركية في رمال العراق المتحركة، بين مختلف الأديان والمذاهب والقوميات. ويؤكد هذا الجواب بالنفي أيضاً المقارنة بين ما كان عليه العراق عشية اجتياحه في عام 2003 وما هي عليه إيران اليوم. فالعراق كان مستنزَفاً ومقاطعاً دولياً وعربياً بسبب غطرسة رئيسه السابق ودمويته، وبسبب مواقفه السياسية الخاطئة وفي مقدمها قراره المدمر باجتياح الكويت. أما إيران فإنها في حالة أفضل وأسلم وأقوى سياسياً واقتصادياً ومعنوياً.
إلا أن المنطق السليم ليس هو الذي يتحكم بصناعة القرار الأميركي في الشرق الأوسط، خاصة بعد جريمة 11 سبتمبر 2001. ثم إن ما يبدو منطقاً سليماً في تصورات طهران، قد يكون منطقاً غير سليم في حسابات المحافظين الجدد في الإدارة الأميركية، الأمر الذي يبقي أبواب الاحتمالات مفتوحة أمام كل أنواع المفاجآت السياسية والعسكرية على حد