خطب الجمعة تعد واحدة من الوسائل الإعلامية التي تستخدم منابر المساجد للاستفادة من قوة الوازع الديني للمساهمة في التخفيف من ضغط المشكلات على أفراد المجتمع. وتلقى الخطب الموحدة من أجل المشاركة في نشر الوعي بقضايا معينة في المناسبات الرسمية الاحتفالية كاليوم العالمي لمكافحة الأمية أو المخدرات أو أسبوع المرور وغيرها, مما تمتلئ به الأجندة السنوية للعالم الداخلي أو الخارجي, وذلك للتركيز على النصوص الشرعية والتأصيل لهذه الأحداث التي تخصص لها أجهزة الإعلام المحلية والعالمية الصفحات والملاحق الخاصة, للوقوف على أهمية تلك المناسبات في الوصول إلى قدر من الوعي لتجنب الآثار السلبية لكثير من المشكلات التي تضج بها أروقة أي مجتمع.
ونلاحظ أن معظم خطباء المساجد, لا يملكون القدرة الكافية لإيصال هذه الرسائل إلى جمهور المصلين والمستهدفين بها مع وجود النصوص من الكتاب والسنة الوافية لتغطية الكثير من تلك المناسبات التي تتكرر على مدار العام.
نجد أن الخطيب وإن كان يعيش في هذا العصر إلا أنه لا يوفق في الغالب في تأصيل هذه المناسبات من الناحية الشرعية ودمجها مع الواقع، فيشعر السامع بأن الواعظ في واد وهو في واد آخر مع أن عنوان الخطبة الذي يطرح يمثل قضايا العصر، أما المحتوى فيذهب بك بعيدا إلى كثرة الاستغفار والتكبير والتهليل.
فلو تحدث الخطيب عن آفة المخدرات فإن كل ما يقوم به هو تجميع النصوص الشرعية التي تحرم وتجرم وتدخل التاجر أو المروج والمتعاطي والمدمن إلى جهنم وبئس المصير. هذه هي الخاتمة المختصرة من كل ما يقال ويسمع خارج المسجد عن خطورة هذه المشكلة.
فيما لو فتحنا القنوات الإعلامية الجادة في التعامل مع مشكلات العصر فإن الحوار يدار حول هذه المشكلة بمشاركة عالم في الفقه ومحلل سياسي وخبير أمني وأستاذ جامعي متخصص في علم الاجتماع أو النفس وطبيب يتعامل مع حالات الإدمان، بالإضافة إلى تجربة خاصة لمدمن تخلص من هذه المشكلة ويتحدث إلى الجمهور بكلام أفصح من لغة بعض الخطباء في التأثير عليهم.
إلى الآن لم تستطع دوائر الأوقاف والشؤون الإسلامية في مجتمعنا تدريب خطبائها على أداء هذا الدور المهم في استخدام منابر الجمعة للانخراط في المساهمة الحقيقية لحل معضلات شتى تعاني منها مجتمعاتنا وشبابنا شأنه شأن الآخرين في شتى بقاع العالم.
إن تنزيل أحكام الشريعة على المشكلات الكبرى في المجتمع لا يتم بصورة تليق بمقام هذا الدين في نفوس المسلمين الذين يعلمون جيدا أن دينهم فيه من التعاليم ما يؤهلهم لإدارة شؤون حياتهم.
يفترض أن تتحول خطبة الجمعة إلى غذاء أسبوعي صحي متكامل لكل مسلم يريد أن يكون مصدره الوحيد لمعرفة تعاليم دينه في هذه الوجبة الأسبوعية. من هنا فإنه من الأمانة أن يمضي خطيب الجمعة أسبوعه بالكامل في إعداد خطبة مناسبة لمتطلبات العصر أو المشكلة الآنية التي تطغى على الأخريات لأهميتها وموقعها في سلم أولويات المواضيع المطروحة في هذا البلد أو ذاك.
إن إعادة النظر في فحوى خطب الجمعة ومدى ملاءمتها لحاجة المتلقين المتجددة لأمر في غاية الأهمية، وذلك حتى لا يصبح حضور صلاة الجمعة لمجرد سقوط التكليف عن المسلم وإن حضرها مترددا في خطواته وإن تخلف عنها البعض فقد تساوى لديه الأمران.